الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

الرُكن الخفى..

صوت مدوى نتيجة لإحتكاك الإطارات بالأسفلت ليتبعه صوت إرتطام جذب كل من بالجوار لمكان الحادث،

سيارة يقودها شاب يبدو أنه فى أوائل العشرينيات من عمره صدمت شاب مُقبل على العشرينيات من عمره،

صياح..تجمهر..البحث عن طبيب..محاولة إنعاش الشاب المصاب..التأكد من عدم إفلات قائد السيارة..العديد يحاولون طلب الإسعاف..آخرون يحاولون الوصول إلى أهل المصاب،

جاء المُسعفون ليحملوا المصاب إلى عربة الإسعاف لتنطلق مُسرعه و بوقها يدوى لإفساح الطريق و خلفها مباشرةً السيارة التى صدمته تحمل الشاب قائد السيارة و بعض اصدقاء المصاب حتى يتأكدوا من عدم إفلاته بفعلته و بعض السيارات التى تحمل بقية الاصدقاء الذين تأكدوا من إبلاغ الشاب المصاب بمكان الحادث،

بعض قضاء أكثر من أربعة ساعات فى المستشفى و توافد أهالى الطرفين و اصدقائهم و الشرطة لتحرير الواقعة..ظهر الطبيب ليعلن بكل أسف وفاة الشاب المصاب،
دوى الصراخ..إنفجرت الدموع..إمتقعت الوجوه..ضرب الموت ضربته غير مبال كعادته بالقلوب التى تتوجع و النفوس التى تتحطم،

بعد أن أنهى تحقيقاته و جمع المعلومات اللازمة..جلس يفكر فى كيفية كتابة الخبر ليتم نشره على موقع الجريدة الإلكترونية التى يعمل بها..بعد الكتابة و التعديل جاء الخبر كالتالى
""العام الأول بالجامعة..بداية مشوار الأحلام و الطموح و التطلع إلى المستقبل..نزل إلى الشارع طالباً بعض الوقت مع اصدقائه للترفيه عن أنفسهم،
ليأتى من يقتل تلك الأحلام و يحطمها على صخرة التهورو الرعونه و عدم المسؤلية، بينما هذا الشاب الذى يعبر الطريق مثله مثل المئات الآخرين..ليأتى بسيارته الفارهه و بسرعه جنونيه ليطيح بجسده الضئيل الذى لم يشتد عوده بعد ليطير فى الهواء ثم يسقط ارضاً شبه جثه من قوة الإرتطام، و لولا تكاتف المواطنين لكان فر بفعلته الشنعاء، وصل المسعفون لحمله بأقصى سرعه إلى أقرب مشفى فى محاول لإنقاذه..بذل الأطباء قصارى جهدهم..لكن..قُضى الأمرو فارق الشاب الحياة على يد ذلك القاتل الذى يجب أن ينال العقاب اللازم ليكون عبرة لمن يعتبر.   تحقيق و بقلم: م.ض  "

على الجانب الآخر قامت جريدة آخرى بنشر الخبر هى الآخرى و كان نصه

""عندما يتحول شبابانا ضحية للإهمال و التسيب و الفساد و يدفعون الثمن غالياً،
ما ذنب طالب الهندسة النابغ الذى كان قد أنهى ليلة طويلة من الإستذكار مع اصدقائه و فى طريق عودته لمنزله لينال قسطاً من الراحه قبل التوجه إلى الجامعه فى اليوم التالى..ليفاجأ بشاب يظهر فى عرض الطريق غير مبال بالسيارات و لا بسلامة الآخرين و لا سلامته الشخصيه..حاول تفادى الإرتطام به بأقصى طاقته لكن الشاب كان قريب للغايه فوقع الإرتطام، نزل الشاب مسرعاً من سيارته فى محاوله لإنقاذ هذا الذى إرتطم به بأخذه إلى أقرب مشفى لكن تم منعه من المواطنين لشكهم فى محاولته للإفلات..بعد العديد من المحاولات و الكثير من التأخير ظهرت سيارة الإسعاف..ثم تكتمل أركان الإهمال فى المستشفى من عدم توافر الأطباء و المعدات اللازمه ثم يأتى الفساد فى الختام ليتم <تفصيل> محضر شرطة يضمن الزج بالشاب خلف القضبان، و كان الأمر ألإلهى الذى لا يستطيع مخلوق رده و توفى الصبى المصاب مُدمراً مستقبل و حياة هذا الشاب.   تحقيق و بقلم:م.ق"

ثم بدأت الحرب على شبكات التواصل الإجتماعى بين المناصرين لقائد السيارة و المناصرين للشاب المتوفى،

كالعادة لم تخلو من بعض المعلومات التى تطوع البعض من إضافتها..تارة أن الشاب المتوفى كان يجرى فى عرض الشارع بجنون لأنه كان تحت تأثير الكحول و تارة أن قائد السيارة تم العثور على سجائر الحشيش بسيارته،
ثم جاء دور البرامج الإعلامية لتزيد من سخونة الموقف غير مباليه بمآساة الطرفين فقط للسعى لزيادة عدد المشاهدين و من ثم زيادة أسعار الإعلانات و كسب الشهرة،

كان ع.م يتابع القضية بإهتمام عبر الإعلام و شبكات التواصل الإجتماعى..فقد تصادف أن كل من نشروا الخبر هما صديقان له، و قرر أن يقوم بجمعهما معاً ليكون وجهة نظر سليمة تجاه الموقف،

بالفعل إلتقوا هم الثلاثه فى إحدى المقاهى ليبدأ ع.أ الحديث قائلاً:
 - أود أن أعرف من كل منكما حقيقة ما حدث حيث أن ما نشرتموه قد تم تلويثه عن طريق العديدين
 قال م.ض فى حماس:
 - كل الشواهد تثبت ما نشرته التى جاءت بناء على تحقيق و إستقصاء دقيق من جانبى..طول آثار إحتكاك الإطارات دليل على السرعه الجنونيه..الشهود على الحادث..الشاب المتوفى المعروف عنه الهدوء و الرزانة التى تمنعه من عبور الطريق فى تهور..العثور على ورق البفرة و التبغ و غيرها من أدوات لف سجائ الحشيش

رد م.ق ساخراً فى إستنكار:
 - كل هذا لا يرقى لمستوى الدلائل..فقائد السيارة لديه تلك الأشياء بالفعل لأنه يدخن      سجائرعادية لكنه يقوم بلفها يدوياً و كل اصدقائه أقروا بذلك..طول آثار الإحتكاك دليل على تقليل سرعة السيارة إلى أقصى حد..حتى لا نستطيع إتهامه بإنشغاله بهاتفه المحمول لأنه كان قد نسيه عند صديقه فى المنزل..كما أن الشاب المتوفى متعارف عنه هوو اصدقائه ترددهم الدائم على ذلك المكان لشرب البيرة و تدخين الحشيش و حسب شهادة الشهود أنهم بعد أن لعب الكحول بعقولهم كانوا يطاردون بعضهم يعدون فى منتصف الطريق على سبيل المزاح!!

كان يراقب ع.م مناقشتهما فى هدوء ثم قاطعهما عندما إحتد النقاش قائلاً:
 - عذراً..لكنى أرى أن كلاكما مخطىء..بل فى الواقع أرى أن كل من قائد السيارة و المتوفى مخطئان..فالمتوفى كان يعدو بالفعل فى منتصف الطريق و القائد كان مسرع شارد الفكر..أكثر من هذا لم يحدث شيئاً

صاح به م.ض قائلاً:
 - إذن فأنت ترى أنه لا قيمه لحياة هذا الصبى الذى مات فى ريعان شبابه؟! إلى هذا الحد قد وصلت إنسانيتنا؟! نجد الأعذار للمخطئين لأنهم يملكون سيارات فارهه؟!
أضاف م.ق مستنكراً:
 - إذن فأنا ألهو و أمرح مع اصدقائى فى عرض الطريق غير مبال بحق الآخرين فى القيادة بأمان و أن أكون سبباً فى ضياع مستقبل الشاب قائد السيارة ثم اتهم كل من يقود سيارة أنه جاحد معدوم الإنسانية

إزدادت حدة النقاش و تعالت أصواتهم و أخذت العديد من الطرق و المنحنيات،

و مازالت الحقيقة قابعة فى رُكن خفى تتطلع للجميع رافضة بالبوح عن نفسها إلى الأبد.


الأحد، 7 سبتمبر 2014

الرأس-إنبساطية

ضجت القاعة بالتصفيق بعد انتهاء الندوة التى كان عنوانها "الرأسمالية و دورها فى بناء الحضارة"،
كان يريد البقاء لإلقاء بعض الاسئلة لكنه كان عليه أن يغادر لأداء بعض المشواير،

ركب سيارته الحديثة التى يعتز بها إعتزازاً قوياً يساعد على نسيانه للأعباء المالية التى تكبدها لإقتنائها،
استغل خاصية "الأوامر الصوتية" ((voice commands)) التى يتمتع بها كل من السيارة و هاتفة المحمول الحديث لإجراء بعض المكالمات،
توقف لشراء سجائر و تذكر انه بحاجة إلى قداحة فاشترى واحدة قد تعتبر غالية الثمن لكنها تناسب مظهره الإجتماعى و كما يقال "الغالى تمنه فيه"،

قبل أن يعاود ركوب السيارة، لمح شاب و فتاة يقفان مستندان إلى السور المُطل على النيل .. كانا يتطلعان إلى بعضهما فى صمت لكن عيناهما تحمل آلاف الكلمات .. تتلامس إيديهم و لا تستطيعان الإبتعاد عن بعضها،
عادةً ما كان للأمر أن يشغله .. لكن ما إسترعى إنتباهه .. أنهما يبدو عليهما أنهما من مستوى مادى مرتفع .. و هذا ما قررة بناء على تقييمه لملابسهما و مظهرهما،
لا يعرف ما الذى دفعه ليتجه إليهما ليطرح عليهما سؤلاً كان يلح على عقلة فى شدة، بالفعل إقترب منهما ثم قال فى نبرة مُعتذرة:
 - آسف إذا كنت أتطفل عليكما .. لكن لدى سؤال مُلح أود أن أوجهه لكما
تطلعا إليه فى نوع من الدهشة و الأستغراب .. لكن سرعان ما رد الشاب قائلاً:
 - تفضل..
تنحنح فى حرج ثم قال:
 - ألا تعتقدان أن هذا المكان غير مناسب لشخصان فى مثل مستواكما المادى و الإجتماعى؟! .. يمكنكما التمتع بمنظر النيل عن طريق إحدى المقاهى الأنيقة التى تطل عليه
نظرا لبعضهما البعض .. ثم إبتسمت الفتاة قائلة:
 - عُذراً .. لكن على أساس حَكمت أن هذا الماكن غير مناسب لنا؟
 - هذا واضح .. من مظهركما و ملابسكما
 - هل تعتقد أن هذا مؤشر كاف لتحكم على ما الذى يناسبنا و يسعدنا؟
 - ليس حُكم بالمعنى المعروف .. لكن من الطبيعى أن من يتمتع بمظهركما أن يجد ما
   يناسبه و يسعده فى الأماكن المتعارف عليها
تطلعت الفتاة إلى الشاب فقابلها بابتسامة كأنها إشارة منه أن تستكمل .. فقالت:
 - منذ عامين كنت أسير بسيارتى فى هذا الطريق و تعرضت لحادث فقدت الوعى على      أثره .. و عندما استعدت وعيى كان أجلس هنا فى نفس المكان بالتحديد و هناك شاب      يحاول إسعافى و القلق مرتسم على وجهه .. و عندما ساعدنى على التوجه إلى سيارتى    .. وجدت أن أضرارها بسيطة بينما التصادم كان ألحق بسيارته أضراراً بالغة
ثم تطلعت إالى الشاب بنظرة حالمة ثم أكملت:
 - دون الخوض فى التفاصيل .. تعارفنا .. إنجذبنا لبعضنا البعض .. فوجئت اليوم و أنا      فى طريقى للخروج من عملى .. أنه ينتظرنى و فى يده باقة ورود من نوعى المفضل      .. ثم أخذنى على عَجل و جاء بى إالى نفس المكان الذى شهد أول لقاء لنا .. و كان قد     أوصى أحد الصبية أن يحجز تلك البقعة بالتحديد التى رأيته بها أول مرة .. و ها نحن     نمضى تلك اللحظة فى نفس التوقيت الذى تقابلنا بهِ
صمت قليلاً يتطلع لهما لهما فى إستغراب ثم قال:
 - أليس من المفترض أن تمضيا ذكرى كهذة فى إحدى الأماكن الفخمة و أن يقدم لكى 
   هدية قيمة؟
 - ربما يكون هذا ما هو متعارف عليه .. لكنى لا أظن مهما كانت الهدية قيمة أو المكان
   فاخر .. أننا كنا سنشعر بنفس مقدار السعادة التى نشعر بها الآن
تطلع لهما فى ذهشة .. هز رأسه .. إعتذر مرة أخرى عن تطفله و إنصرف،

توجه إالى منزل جدته لإصطحاب أمه من هناك، منزل الجدة مثلها .. قديم .. يبدو قزماً بطوابقه الثلالثة وسط المبانى العالية لكنه يتمتع بشموخ و هيبة .. يحتفظ بعبق و دفء غير مفهوم .. يتطلع لكل مظاهر التطور حوله فى تهكم و سخرية،
جلس بجوار جدته يتطلع إالى السقف العالى .. النوافذ و الأبواب الضخمة .. تلك المساحة الهائلة للشقة .. إلتفت إلى جدته متسائلاً:
 - لماذا يا جدتى كنتم تبنون منازلكم بتلك الضخامة !! .. إنها لم ترتقى لتكون "فيلا" وفى    نفس الوقت إنها ضخمة جداً لتكون شقة .. لقد أهدرتهم مساحة كثيرة كانت ممكن
   تُستغل فى زيادة عدد الشقق فى كل طابق و بالتالى زيادة العائد المادى !!
تطلعت له الجدة فى إبتسامة حانية .. إبتسمت إبتسامة تحركت لها تجاعيد وجهها التى حفرها الزمن و ردت قائلة:
 - يا ولدى .. نحن لم يكن همنا الأول هو العائد المادى .. بل كان هو الراحة و الجمال ..    أن تشعر أنك فى منزل يستطيع أن يحتضنك أنت و أسرتك بالكامل دون أى معاناة ..      ذلك الإحساس بالإتساع الذى يضفى على روحك الإحساس بالحرية .. ليس مثل علب      السردين التى أنتم فرحيين بها لمجرد أنها تقع فى منطقة فخمة !!
ابتسم لجدتة و طبع قبلة على خدها و ألقى عليها التحية بينما مازال لسانها ملتهب بالدعاء له،

جلس بمنزله يتفقد شبكات التواصل الإجتماعى عن طريق جهاز "الآيباد" (iPad) الخاص به بينما يتابع والديه إحدى البرامج عبر التلفاز الحديث الباهظ الثمن الذى أصر على إبتياعه،
وصلت أخته و إبنها، و فجأه بدأت بالشكوى من حياتها الزوجية و كيف أصبحت لا تطاق و كم هى تعيسة .. إلخ،
كانت أمه تواسيها قائلة:
 - يا ابنتى أن زوجك إنسان طيب يوفر لكى كل أحتياجتك أنتى و إبنكما
ردت أخته قائله:
 - لقد أصبحت أشعر أننا ننفذ خطة ما .. يغرق كل منا بكل حواسة و طاقته طوال            الأسبوع فى العمل لكى نجمع أكبر قدر من النقود .. فلا حتى نستطيع أن نتحدث سوياً      أو مع إبننا .. فى الأجازة الأسبوعية .. يجب أن نذهب للتنزة فى أماكن معينة لا يجب      أن نحيد عنها لأنها تناسب مستوانا الإجتماعى .. فى الصيف .. يجب أن نمضى            الأجازة الأسبوعية فى الساحل الشمالى .. تحت أى ظرف من الظروف .. لننفق مبالغ      طائلة .. سواء فى أقساط المكان الذى إبتعناه هناك أو الأماكن التى نرتادها .. تدور        حياتنا حول ما نستطيع أن نجنيه حتى نستطيع إنفاقه
نظر إليها مستنكرأ و قال شبه مُصيحاً:
 - و من المفترض أنكى تشكو من كل هذا !! هل سبب تذمرك تلك الحياة الرغدة التى        تعيشيها !! لديك كل مقومات السعادة التى تناسب مستواكى الإجتماعى و تقولين أنكى      تعيسة !! ما الذى ينقصك ؟!!
ردت باكية:
 - أريده هو .. إريد الرجل الذى أحببتة .. الرجل الذى كان لم ينسى و لو لمرة واحدة أن      يأتينى بنوع الشيكولاتة المفضل لى كلما تقابلنا .. الرجل الذى كنت أتسكع معه بالسيارة    فى الطرقات نستمع لموسيقانا المُفضلة .. الرجل الذى كنت أستطيع أن اتناقش معه فى    أى شىء و كل شىء غير كم نحتاج من نقود و ما الذى يجب أن نبتاعه!!

هز رأسه متعجباً .. ثم إتجه إلى الشرفة ليدخن سيجارة و هو يفكر، ما الذى أصاب الجميع .. لقد أصبحوا يرفضون ما فيه سعادتهم و راحتهم،

ذلك الشاب و الفتاة اللذان يقضيان ذكرى لقائهم الأول فى الشارع مستندين إلى السور المُطل على النيل عوضاً عن قضاء تلك الذكرى فى مكان فخم كما هو مفترض،

جدته التى تخبره أن الأهمية ليست للعائد المادى و لكن لإحساس الراحة و الإحتضان و غيرها من مشاعر التى فى رأيه لن ينعموا بها دون المال الوفير،

و أخته التى لديها كل مسببات السعادة المتعارف عليها و مستوى مادى و إجتماعى راقى تريد إستبدالهم بالشيكولاتة و الموسيقى و التسكع بالسيارة !!

إبتسم ضاحكاً عندما وجد تسمية لكل تلك السخافات التى يسعون إليها .. لقد سماها "الرأس-إنبساطية"