الثلاثاء، 2 يناير 2024

بوابة إلى الحقيقة

 كان في طريقه المعتاد إلى العمل، لا شيء جديد، نفس الزحام و نفس الطريق و نفس الموسيقى التي يستمع إليها و حتى نفس الأفكار. إزدحم الطريق و توقفت السيارات مما أثار حنقه إنه سيعاني زحام آخر.

فوجئ أن الجميع يتركون سيارتهم و يقفوا في الطريق و يتطلعون للسماء في دهشة، على غير عادته نزل هو الأخر و تطلع للسماء ليجد أن الشمس أصبح لها يدين و عينان و فم، و كان فمها الجديد يتحرك في عنف و تلوح بيدها فيما يبدو أنها تصيح بالجميع تهددهم و تتوعد لهم.

في نفس الوقت جائت مجموعتان من الطيور و إتخذت كل منهما شكل دائرة على يمين و يسار الشمس، و إذا بالشمس تشير بيدها نحوهما و تواصل صياحها الصامت.

جاء أحد الأشخاص وقف بجانبه و قال:

-يبدو أن الشمس قد ملت من العطاء دون مقابل و ها هي تبوح بكل ما تعانيه

تطلع له في دهشة ثم لفت إنتباهه أن الطيور تجمعت في مجموعة واحدة أمام الشمس و أخذت تصيح بقوة ثم إتخذت شكل رأس سهم و طارت مبتعدة بسرعة فوق المعتادة لها.

ساد بعدها صمت تام على الطريق، صمت غير منطقي، لا يوجد صوت حتى أصوات محركات السيارات و حركة الهواء و تنفس البشر إختفى، حتى إنه إعتقد إنه أصابه الصمم، بقي الوضع هكذا لدقيقتين، ثم صاح الجميع مهللين بالفرحة و تبادلوا الأحضان و القبلات جميعهم رجال و نساء، قام بعضهم بتشغيل أغان ذات ألحان راقصة و بدأ بعضهم يرقص و يغني و آخرون تبادلوا السجائر و الطعام و الشراب بل حتى أن البعض أشعل سجائر حشيش و أخذ الجميع يدخنونها دون تمييز.

في لحظة واحدة توقف كل هذا و عاد الجميع إلى سيارتهم و أخذ الطريق يسير من جديد بسرعته المعتادة و حتى الجميع إستعادوا وجوههم بين العابسة و المبتسمة و المتهجمة و المتعبة و الشاردة.

لم يجد ما يمكن عمله سوى العودة لسيارته و إستكمال طريقه للعمل خاصة و أن قائدي السيارات بدأوا يبدون إنزعاجهم من تعطيل الطريق دون داع.

وصل للعمل و عند باب العمل وجد ما يشبه مكان ألعاب الأطفال، كان رئيس مجلس إدارة الشركة يقوم بنفسه بتنظيم الموظفين في الألعاب، و يحرص على أن يأخذ كل منهم دوره و أن يجرب جميع الألعاب، المتناقض في الأمر هو وجوه الموظفين العابسة المرهقة.

إحتار ما بين أن يشاركهم أو يترك كل هذا و يتجه لأعلى حيث مكتبه و يباشر عمله، لكنه وجد رئيس مجلس الإدارة يشير له فتوجه نحوه فقال له:

-لا مجال للحيرة فتلك رفاهية تتاح لمن لا يتملكهم شيء، ما عليك سوى أن تستمتع بتلك الألعاب مثل الباقيين

تطلع له للحظة، سأل نفسه هل يجب عليه أن ينصاع لذلك الأمر حتى لو كان الأمر هو الحصول على بعض المرح؟ لم يكن راض عن هذا و شعر أن حتى أعذب و أجمل الأشياء في الحياة عندما نجبر عليها أو يتم دفعنا إليها فأنها تصبح ثقيلة على النفس، يبدو أن تلك هي اللحظة التي يتم فيها التمرد و التخلص من القيود، فقال:

-هل تعلم، أنا لست مثل الباقيين و لم أشعر يوما إني مثلهم، كنت أبذل مجهود قاس يوميا كي أنتمي لهم و لكن الأن قد إستفذت هذا المجهود. أنا مستقيل

ثم غادر دون أن ينتظر رد، إتجه لسيارته و بمجرد أن ركب السيارة قام أحدهم بفتح الباب المجاور له و ركبت فتاة رائعة الجمال و الأنوثة، تطلع لها في صمت منبهر، كانت تعتبر فتاة أحلامه، شعر أن كل تخيلاته تحققت أمامه، و بصوت زلزل مشاعره قالت:

-لقد كنت أنتظرك، هيا بنا لنبدأ رحلتنا

أطلق ضحكة عالية و تحرك بالسيارة، تطلعت له بإبتسامة عذبة و إلتقطت يده و إحتضنتها بين كفيها، فأرتاحت يده لملمسها الناعم و تسلل دفء المشاعر لقلبه.

وجد الطرقات شبه خالية من السيارات و السماء صافية، لم يكن يبالي إلى أين يتجه أو ما الذي سيحدث لاحقا، كان إستمتاعه الوقتي كفيل بأن ينسيه عامل الوقت.

لم ينتبه لشيئ إلا عندما وجد نفسه أمام بوابة ضخمة يقف على مدخلها أشخاص ملثمون و قصار القامة للغاية يكادوا يكونوا أقزام، يمسك كل منهم عصاة ملونة طولها ضعف طوله،  أشار له أحدهم أن يتوقف و في صوت ضخم لا يتناسب مع حجمه قال:

-إن العبور عبر تلك البوابات يلزمه الإجابة الصحيحة الصادقة، فهل أنت مستعد؟

-مستعد

-توخى الحذر لإننا نستطيع الكشف عن الكذب و الإجابة الخاطئة ستحرمك من الدخول مرة أخرى

تطلع للفتاة فأعتطه إبتسامة مشجعة و قبلة في الهواء، فأخذ نفسا عميقا و قال:

-نعم مستعد

-هذا الوعد الذي قطعته على نفسك في يوم من الأيام إنك سوف تحبها طوال حياتك، إذا كان عرضوا عليك أن تحقق حلمك في أن تظل تتنقل حول العالم في مقابل أن تتخلى عن ذاك الوعد، ماذا كان سيكون ردك؟

كان السؤال غير متوقع و يتطلب أن تكون على دراية كاملة بنفسك قبل حتى أن تكون صريح مع نفسك، توتر و أخذ ينقر على مقود السيارة و عينان الرجل القصير تتطلع له بنظرة تنفذ داخل عقله و يتطلع للفتاة التي بدأت نظراتها تملأها القلق و الترقب، لم يكن هناك مفر، لقد أصبح عبور البوابة تحدي و يجب تقبله، فأجاب في خفوت قائلا:

-كنت سأتخلى عن الوعد

ساد لحظة من الصمت، ثم تركت الفتاة يده بعنف و بدأت في البكاء و عندما حاول أن يربت عليها دفعته في قوة و نزلت من السيارة و قالت:

-يبدو أن الأنانية هي الصفة الأزلية التي لا يوجد ما يقهرها

سارت مبتعدة في غضب، بينما قاطعه الرجل القصير و قال:

-عواقب الصدق قد تكون قاسية لكن لا سبيل للحرية بدونه، البوابات مفتوحة لك الآن

تحرك بالسيارة نحو البوابات و عبرها و إختفى خلفها.

الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

رقصة مع الوهم

 كان موعد الحفل السنوي، كلنا في عمر المراهقة، أحلام الحب تداعبنا ومشاعرنا جاهزة لم تتقيد بعد بخيبات الأمل. لم يكن لدي حبيب، حتى لم يكن هناك رفيق أو حتى معجب، كيف يحدث هذا وأنا يغيب عني الجمال، ولهذا لم أتعلم فنون الأنوثة، لكن كان بي أمل في هذا الحفل أن تحدث المعجزة وأعيش قصة حالمة. مر الكثير والفتيان كل منهم يسعى خلف إحدى الجميلات، البعض يصل لمسعاه والبعض مازال يحاول وأنا كالعادة متفرجة. ملأتني الحسرة وقررت أن أغادر في صمت وإن كان في كل الأحوال لن يلاحظ أحد غيابي إذ كانوا لا يلاحظوا وجودي، وجدت أحد ينادي على إسمي فالتفت لأجد فتى وسيم يبتسم ويطلبني للرقص، دق قلبي بعنف وعقلي لا يصدق أن هذا يحدث، ربما كان لدي الأمل أن أحظى بتلك اللحظة لكن في أقصى توقعاتي كان الطلب سيأتي من فتى متوسط أو حتى يشاركني غياب الجمال، لكن هذا، يبدو أن السماء قررت تعويضي عن ما أعانيه. إرتبكت قليلاً، لكن لم يكن هناك مجال أن أضيع هذه الفرصة وبينما أمد يدي لتلتقطها يده ويأخذني لعالم الرومانسية إذا بفتى أخر أكبر سناً يقاطع تلك اللحظة ويكلم الفتى في نبرة حازمة قائلاً:

-عفواً، لكن هذا الذي تنتويه لن يحدث

كدت أن أصرخ به وهو يضيع تلك اللحظة لكنه إلتفت لي قائلاً:

-هذا الفتى لا يريد مراقصتك وغير مهتم، إذا تسمحي لي بتلك الرقصة سيكون هذا من دواعي سروري

كان ما يحدث بالنسبة لي شيء خيالي، أنا المنبوذة من عالم العلاقات لدي إثنان من الفتيان يطلبوني، كاد الفتى الوسيم أن ينفعل على الفتى الأكبر لكنه رماه بنظرة صارمة جعلته يصمت، وجدت نفسي ألتقط يد الفتى الأكبر دون تفكير وقد خدرتني ثقته وحزمه، ذهبنا لحلبة الرقص التقط يدي ووضع يده الأخرى حول خصري لتنتابني رجفة وقلبي على وشك القفز من موضعه، بدأ الرقص معي وإبتسامة هادئة تملأ وجهه، بعد نظرة مطوله لعيناي بدأ بالتحدث بهدوء قائلاً:

-هذا الفتى كان على وشك أن يسخر منك، لقد سمعته هو وأصدقائه وهم يتفقون على هذا، لهذا تدخلت ومنعتهم، لا تجعلي الأحلام تلعب بكِ، لن نستطيع أن نكون سوياً لأن قلبي تمتلكه أخرى، لكن رأيت أنك مثلنا كلنا، تستحقين رقصة، لحظة حالمة، تنسين بها قسوة الأخرين وتحتفظين بها كذكرى تشد من أزرك عندما تخور قواكِ، لا تنخدعي بتلك الفتيان، أنهم مجرد بريق يلمع في عيون القلوب الجائعة ليطعمها مرارة، سعيد بقبولك لتلك الرقصة وسيجدك الحب في وقته

أنهى الفتى الرقصة معي وقَبل يدي ثم غادر في هدوء.

=رائع! هل قابلتِ هذا الفتى مرة أخرى؟

تبسمت ساخرة وأنا أنظر لصديقتي البريئة وقلت:

-قابلته كثيراً في خيالي، مثلما إخترعته من خيالي

=ماذا تعني؟! كل هذا لم يحدث!

-بالطبع لا، هل تعتقدي أن الحياة أحد أفلام هوليوود، الذي حدث أني قبلت عرض الفتى الوسيم، بالفعل سخر مني هو وأصدقائه وأغلب من كانوا في الحفل، ظلت تلك القصة لفترة مادة للفكاهة، لتزيد من كراهيتي لنفسي وتجعل الجرح غائراً أكثر، ثم إبتعدت عنهم، ومع الوقت، كانت السخرية مني تزداد، وكلما مر الزمن كانت تصبح أكثر قسوة، عانيت كثيراً وقضيت معظم الليال أبكي حالي على الرغم من أني لم أتسبب في هذا، لقد ولدت هكذا دون رغبة مني، في أحد الأيام كنت أشتري قهوة وكانت تقف أمامي سيدة غاية في الجمال والأناقة، تطلعت لها طويلاً حتى لاحظت فارتبكت، إقتربت مني وسألتني بابتسامة هادئة عن سبب تطلعي لها، أخبرتها عن إعجابي بجمالها وكم أتمنى لو كنت أشبهها، قالت لي لو ركزتِ يا عزيزتي في تفاصيلي لن تجديني بهذا الجمال، في الحقيقة كل النساء جميلة، هناك من تعمل على إظهار والحفاظ على هذا الجمال وهناك من لا تفعل، هذا هو الفرق، مضيت بقية اليوم أفكر في كلامها، ربما يكون صحيحاً، إلى حد ما، لأن هناك أشياء مهما إعتنيت بها سيظل أصلها غالب، لكن لا ضير من المحاولة، بدأت أحاول الإهتمام أكثر بنفسي، لم يكن الأمر سهل، لقد قضيت وقت طويل في كراهية نفسي لذا أن أحبها مرة أخرى كان عمل شاق، تحسنت نفسيتي قليلاً لكن كل هذا لم يجعلني مرغوبة، الرجال كائن سطحي، جمال الشكل يجذبهم ويظلوا هناك لفترة طويلة، عندما تقدم العمر، استسلمت لفكرة الزيجة المرتبة، جاء هذا الشاب لمقابلتي، شاب بسيط المظهر، قليل الحديث، متواضع المستوى المادي، لكن لم أشعر بنفور منه، قبلت، وتمت الخطبة سريعاً ثم تزوجنا، لن أخبرك إنه الفارس الذي أنقذني وإنتشلني من بحار البؤس، لكن مع الوقت، ظهر قلبه الطيب، قلب من ذهب كما يقال، يعاملني دوماً باحترام، لا يعرف كيف يصنع مفاجأت ولا يعرف كيف يبتاع هدية مناسبة حتى الرومانسية لا يعرف عنها سوى ما يراه في الأفلام، لكنه رجل، يتحمل المسؤلية، على خلق عظيم، متواضع ومتسامح، بالوقت تولدت بيننا مودة، ثم تحولت لرابط قوي، ثم وجدت نفسي أحبه بكل ذرة في قلبي، لا أستطيع أن أتخيل الحياة بدونه، لم يحدث هذا في ليلة وضحاها، لا تكوني ساذجة يا عزيزتي، لقد تم بناء هذا بكثير من الوقت، بكثير من المعاناة، بحسرات وخيبات، لكنه أصبح في النهاية بنيان حب قوي لا مجال لهدمه، على ما يبدو أن الحياة عوضتني في نهاية الأمر.

ابتسمت صديقتي وعيناها تلمع بدموع التأثر.

الاثنين، 4 يناير 2021

سُلطة جمالها

 كانت على درجة عالية من الجمال، باتفاق الأغلبية إن لم يكن الجميع.


لم احاول التقرب منها، بالعكس، كنت أبدو أني غير مهتم من الأساس، لبعض الوقت، أترك مساحة لبقية الذكور المتسرعة الذين سيحاولون التودد لها بكافة الطرق وهي تستفيد منهم جميعاً ولا تروي قلب أي منهم حتى بقطرة مودة.


بعدما هدأت الزوبعة، قمت باستغلال صدفة لفتح مجال للحديث، بنفس اللامبالاة، مع الكثير من الغموض، واحد من أهم الأسلحة لاستفزاز فضول المرأة، ستسعى الأن بكل الطرق لكشف أسراري وهزيمة قواتي لأرفع راية الاستسلام على عتبات جمالها كالباقين.


لم استسلم، قاومت، بل تعاملت مع الأمر على انه تحد، فكنت أشد وأرخي حبل المودة، لتتملك منها الحيرة، ومن جانبها كانت تحاول بطرق حاشا لله إذا أدعى احدهم حتى الشيطان بنفسه أنه على درايه بها أو يتوقعها.


وصلنا لمفترق طرق، حيث لا سبيل سوى أن استسلم وأن ترضخ هي أو نفترق، لكننا بقرار غير مُعلن أكملنا الطريق وأخذنا خطوة تقارب أخرى.


تلك الفترة، في رأيي هي التي تشحذ إبداع الأغان والشعر والعبارات الرومانسية، الأحلام جميعها جميلة ومشروعة وتبدو سهلة التحقيق، كل من الطرفين يظهر أجمل ما فيه، حتى بدون إدعاء، لكنهما يشعران بشيء جميل فينعكس على كل شيء حولهما.


بعد فترة ليس بطويلة، لاحظت شيء، انها صعبة الارضاء للغاية، فهي تعترض طوال الوقت على كل شيء، اعتقدت في البداية أن هذا يرجع للتدليل المفرط من جانب أهلها، لكن لم أقتنع.


عندما بدأت أن أدقق في الأمر، وجدت أن للجمال سلطة، وهي تجيد استخدامها، والعجيب أن تلك السلطة تسري على الجميع، رجال ونساء، من النادر للغاية أن يرفض شخص أي شيء لهذا الجمال، وإن حدث، فغيره على استعداد لتقديم أضعافه حتى لو مقابل ابتسامة فقط منها.


بالنسبة لي، فهذا الجمال كان متاح لي طوال الوقت، لذا سلطته كانت تضعف مع الوقت، حتى أصبحت لا أمر لها عليّ ولا نهي، وأصبح فكرة تحمل عدم رضائها تعذيب مستمر، لا أطيقه.


تذكرت حبيبتي السابقة، كيف كانت أقل الأشياء تسعدها، تذكرت مرة أني أخذتها وتريضنا في الطرقات بغير هدف، وعبرنا أمام مشتل ورد، فاشتريت لها وردة واحدة، احتضنتني وقبلتني في وسط الطريق غير مباليه بالمارة المتطفلين المزعجين، بل ظلت سعيدة بضعة ايام فقط بسبب وردة، ترى كيف حالها؟ لقد كانت انسانة لطيفة.


في يوم كنا نتناول العشاء معاً، كالعادة كانت تشكو من جودة الطعام، وجعلت النادل يقوم بتغيير الطعام لها ثلاث مرات وانا متأكد أنه بصق في طعامها قبل أن يقدمه له بابتسامة عريضة مع اعتذار زائف.


تساءلت، ترى هل هي مبالغ في أمرها؟ أم هذا طبع في النساء؟ هن عكسنا، يتغير مزاجهم بسرعة جنونية ومعه تتغير متطلباتهن، بينما الرجل من الممكن أن يجلس مع أصدقائه في المقهى ثلاث ساعات ولا يحتسي سوى أربع أكواب شاي ولن يتذمر بل وسيكون سعيد.


سألتني بم أفكر؟ جاء ردي صادم أنا شخصياً لم أتخيل أن أرد بكل تلك التلقائية وأقول أفكر أن أبتعد عنكِ.


تسمرت من المفاجأة وظلت تنظر لي في استنكار وغضب، لكن لم ألمح في نظرتها حزن، ثم نظرت الناحية الأخرى وصدرها يعلو ويهبط بقوة مع تسارع انفاسها، ثم تمالكت نفسها ونظرت لي وقالت حسناً، كما تحب، أنا لن أبقى مع شخص لا يريدني، وسحبت حقيبتها وهاتفها واستعدت للرحيل، لم اتحرك من مجلسي ولم أرد عليها، نظرت لي مرة أخرى وعيناها تقول ايها الأحمق، كيف تفرط في واحدة بمثل جمالي؟! هناك العشرات ينتظرون فقط أن ألقي عليهم التحية، سوف أنتقم منك يوماً ما، ثم رحلت غاضبة.


أشعلت سيجارة ونفخت دخانها ببطء، لن أنكر أن هناك احساس لذة انتابني، أنا أعلم اني لم أكسر قلبها لأنه لم أكن في قلبها كي أكسره، لكني شعرت اني إنتقمت لكل من استخدمت سلطة جمالها عليهم من قبل، لقد كسرت شوكتها وخرجت مهزومه لأول مرة، فلتسعدوا وترتاحوا الأن.


ناديت على النادل الذي وبخته وأعطيته بقشيش ضخم ومازحته فضحك وظل يشكرني كثيراً واعتقد انه كان يراقبنا وكان سعيد بما حدث، وفي طريقي للمنزل لم أكن أفكر سوى في حبيبتي السابقة وأدركت اني أشتاق لها كثيراً.

الأحد، 7 أغسطس 2016

مستنيين دورنا

-أهلاً و سهلاً، نورتنا يا فندم، كام فرد؟
بإبتسامة مدروسة قال موظف الإستقبال على باب المطعم، نوع من الإبتسامات الذي لا تستطيع إلا أن تردها بإبتسامة مصطنعة، قال أحمد:
-مساء الخير، عايزين مكان ل6 أفراد
-Smoking ولا non-smoking يا فندم؟
-Smoking
لحظة واحدة معايا يا فندم
غاب الرجل داخل المطعم فإلتفت أحمد إلى الباقيين، كانوا يقفون على مبعدة منه يتبادلون الحديث و يضحكون كثيراً، مرتاحيين البال حيث هناك من يتحمل عنهم المسؤلية.
عاد موظف الإستقبال بنفس الإبتسامة التي تشعر معها إنه لا يتخلص منها حتى و هو نائم، قال:
-أنا أسف يا فندم هو مفيش مكان حالياً، بس حضرتك ممكن تستنى معانا لحد ما حاجة تفضى
-أستنى وقت قد إيه؟
-مقدرش أحدد لحضرتك بالظبط، بس مش كتير إن شاء الله
شعر أحمد بالحنق و كان يود أن يصرخ به هل تعاني من خلل ما؟! كيف لا تستطيع تحديد الوقت ثم تؤكد إنه ليس بالكثير؟! بمجرد ربط إسم الله بأى شىء يجعلهم يعتقدون أنهم متحكمين في الحياة.
تنهد أحمد و ألقى نظرة على الباقيين، مازالوا منهمكين في أحاديثهم كما لو كانوا نسيوا وجوده، لم يحاول أن يسألهم، عندما تشعر بعدم الإكتراث تبدأ في إتخاذ القرارات التي توافق أهوائك فقط، رد على رجل الإستقبال و قال:
-خلاص هنستنى
-تحت أمرك يا فندم، ممكن بس الأسم و رقم الموبايل
أعطاه أحمد بياناته و عاد للباقيين الذين لم يوقفهم قدومه عن الحديث، بعد دقيقتان، إلتفتت سارة له قائلة:
-إيه يا حبيبي، عملت إيه؟
رد أحمد بنبرة معاتبة ساخرة و قال:
-كنت بشوف مكان عقبال ما حضراتكم تبطلوا ضحك
رد هشام بإبتسامة عريضة قائلاً:
-يا عم عشان أنت أحسن واحد في الحاجات دي
تطلع له أحمد دون رد، فتلك العبارات تؤدي غرض من إثنين، الإحساس بالتميز بسبب المديح أو الإحساس بالتقزز بسبب النفاق، و الحالتين يتبعهم صمت.
إلتفتت خديجة له قائلة:
-معلش يا أحمد إحنا سرحنا في الكلام و محدش فينا خد باله يجي معاك يشوف إيه الأخبار
تغيرت نظرة أحمد المعاتبة إلى نظرة إمتنان تطلع بها إلى خديجة، للمصارحة و التقدير مفعول سحري على النفوس.
لم يغب عن سارة نظرة السعادة في عينان خديجة لنجاحها في إحتواء غضب أحمد، لذا وجب التدخل السريع الفعال لقطع خيط التواصل الذي على وشك أن يتكون، فوضعت يدها على كتف أحمد، إقتربت بفمها من أذنه و تعمدت لصق منحنيات جسدها بجسده و زادت من نعومة صوتها الهامس في أذنه فإرتسمت إبتسامة على وجهه ثم تحولت لضحكة، بمجرد إبتعاد سارة عنه شد من قوامه شاعراً برجولته بينما سارة ترمق خديجة بنظرة إنتصار، من أسها الأشياء على المرأة أن تنتصر على أخرى في جذب رجل لها، يعتمد فقط على مقدار ما هي على إستعداد أن تقدمه له.
إبتلعت خديجة ريقها ربما خجلاً أو حسرةً أو مزيج من الإثنين، لا يستطيع أحد التكهن بما يدور في قلوب النساء، حتى هن أنفسهم لا يعرفون.
كاد الصمت المتوتر أن يخيم على الجميع لكن قاطعه هشام قائلاً:
-طيب مقالش في مكان هيفضى إمتى؟
-قالي مش عارف بس مش كتير
سأل رامي:
-طيب نروح نشوف مكان تاني؟
ردت خديجة:
-أنا معنديش مشكلة نستنى أو نشوف مكان تاني
قالت هند:
نستنى و خلاص بقى، لسه هنقعد نركب العربيات و ندور على مكان تاني
قالت سارة ممازحة هند:
-يا بنتي كفاية كسل، أنا حاسة لو قعدنا كام يوم ما نكلمكيش هنلاقيكي ما إتحركتيش من على نفس الكرسي في البيت
ردت هند بعفوية قائلة:
-لأ طبعاً، أكيد هقوم يعني عشان أخش الحمام
ضحك الجميع عالياً على ردها، عدم تعمد الفكاهة و التلقائية هما الفرشاة و الألوان الأصدق لرسم الضحك على الوجوه.
أصدر هاتف رامي رنين، تطلع لأسم المتصل فإرتسمت إبتسامة على وجهة و رد في لهفة و هو يبتعد عنهم، كانت عينان هند تتابعه و بهما بريق غيرة، بينما قال هشام:
-كدة خلاص يا جماعة رامي ممكن يستنى عادي
تبادلوا النظرات و الإبتسامات ما بين إبتسامة صادقة لأخرى مسايرة للجو العام ما عدا إبتسامة هند، الإبتسامة التي يجب أن تنتزعها من بين آلامك فتجرح قلبك جرح لا يظهر إلا في العيون.
فجأة دوى صوت هائل لإحتكاك إطارات سيارتين بالطريق بسبب الفرامل العنيفة و كانا على وشك الإصتطدام لكن فصلت بضعة سنتيمترات بينهما، ما أتفه الأشياء القادرة على إبعادنا عن المصائب.
نزل كل من قائدي السيارتين لتبدأ نوبة من الصياح لفريغ شحنة الخوف و التوتر، فالإنسان أجبن من أن يعترف بإنه خائف، ثم تطورت لتبادل الإتهامات بمن المخطىء، النزعة الأزلية لتبرئة النفس كما لو كنا ملائكة و لسنا بشر خطائيين.
وصل سبعة أفراد تحدثوا مع موظف الإستقبال بنفس إبتسامته المدروسة ثم دخلوا إلى المطعم فوراً، فما كان من أحمد إلا أن إلتفت غاضباً و إتجه إلى موظف الإستقبال و بنبرة حادة قال:
-إحنا كنا قبل الناس إللي دخلت دي
-حضرتك يا فندم الناس دي عاملة حجز
-إزاي؟! مش إنتوا المفروض مفيش عندكوا حجوزات؟
-حقيقي يا فندم بس دول واخدين إستثناء من صاحب المكان
-يعني أنا لازم أبقى معرفة صاحب المكان عشان أعرف أدخل!!
-حضرتك تنور في أي وقت بس دي حاجة إستثنائية جداً، بعتذر مرة تانية لحضرتك
إبتعد أحمد عنه حانقاً لم يبالي حتى بسؤاله عن ما تبقى لهم من وقت، عند الشعور بأن هناك من أخذ حقك و لا تستطيع فعل شىء تجاهه يكون الهروب و اللامبالاة هما الملاذ.
عاد أحمد للباقيين مرة أخرى، كان كل من سارة و هشام منهمكين بالتطلع لهواتفهم، بينما هند و خديجة منمدمجتان في حديث عن الشعر و البشرة و رامي مازال بعيداً لم يقاطع أي شىء مكالمته و ما الذي يستطيع أن يقطع تواصل العشاق.
وصلت عند باب المطعم إمرأة تفيض بالأنوثة، ملامح وجهها و نظرات عيناها تعدان أي رجل بمتعة تجعله يدمنها بعدها، لم تكن ملابسها عارية أو ملفتة لكنها كانت كافية لتظهر مفاتن جسد قد تقام حروب من أجله كما عودنا التاريخ.
كان أحمد على وشك أن يشعل سيجارة لكنه توقف و تسمرت عيناه عليها في إنبهار و شهوة و هو يمني نفسه باليوم الذي سيترك فيه سارة و يسترد حريته مع بقية النساء، كانت سارة منهمكة لدرجة الإنعزال مع هاتفها، إنهماك حديث بين رجل و أمرأة، و بالفعل فقد لمح هشام أسم الرجل الذى تتبادل معاه الرسائل و هذا الأسم أكد ظنونه التي كانت تساوره من فترة، أما خديجة فكانت نظرتها مثبته على عينان أحمد و تتمنى أن يتطلع لها أحمد بنفس النظرة، بينما هند شاردة في إتجاه رامي تتخيل الأحاديث التي يتبادلها مع غريمتها، هشام كان يطالع كل هذا و إبتسامة إستخفاف مرسومة على وجهه مصدرها قلبه الذي عانى الخيانة يوم ما فحصن نفسه ضد المشاعرللأبد.
قطع هذا الصمت مرور رجل كهل يمشي بخطوات بطيئة محني الظهر ثم توقف أمامهم و قال:
-عدوني يا ولادي
أفسحوا له الطريق و هو يسير بنفس الخطوات البطيئة سألهم:
-أنتوا واقفين كدة ليه؟
رد هشام:
-مستنيين دورنا في المطعم يا والدي
تطلع الرجل الكهل لهم و للمطعم كما لو كان يرى الدنيا لأول مرة في حياته ثم قال:
-هي كدة، كل واحد دايماً مستني حاجة و عشان مايزهقش يقعد يدور على حاجة تانية مش عايزها
ثم إنصرف بنفس البطء تاركاً عبارته تلعب بالقلوب.
سمع أحمد موظف الإستقبال ينادي على إسمه و يشير له بأن يتفضلوا بداخل المطعم، دخل الجميع إلى المطعم و طلبوا الطعام سريعاً و تناولوا الطعام أسرع لعل كل منهم يبتلع معه ما يمتلأ به قلبه و يستطيعون هضمه.  

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

الدنيا دنيا

تأكد من غلق باب الشقة بإحكام ثم بدأ فى هبوط درجات السلم ببطء من لا يلوى على شىء و لا يكترث للحياة المسرعة حوله، عند وصوله للطريق تداخلت الأصوات و تشابكت ما بين بائع ينادى على بضاعته و صوت أغانى ينبعث من مكان ما يبدو قريباً على الرغم من بعده، أطفال تصيح دون توقف كمتنفس للطاقة التى تجرى فى عروقهم، أصوات الأقدام التى تدب الأرض بين خطوات متمهله و أخرى متعجلة بعضها ثقيل و الآخر يكاد يطير، حتى صوت الأنفاس المتسارعة جراء حرارة الصيف.
إتخذ طريقه بنفس التريث صوب عربة الفول و توقف عندها قائلاً بإبتسامة عريضة:
-صباح الفل يا زينهم
رد زينهم و البشاشة تملأ وجهه و يداه تعملان بسرعة الصاروخ فى تجهيز أرغفة الفول:
-أحلى صباح على عم صابر الراجل الطيب..دقيقة و طلبك يبقى جاهز
-ربنا يباركلك
إلتقط زينهم الكيس الممتلىء بوجبة الإفطار و وضعه فى يد صابر قائلاً:
-الفطار الجامد للراجل الجامد
أمسك صابر الكيس و ناوله النقود:
-متشكرين يا زينهم
إتخذ صابر مقعدة على المقهى و طلب كوب الشاى ثم بدأ يتحسس الكيس و يفض أرغفة الفول و الطعمية و بدأ يتناول إفطاره. لم تتغير عاداته اليوميه منذ ثلاثة سنوات..تمر الأيام متشابهه فى المجمل مختلفة فى التفاصيل..الحياة لم تطلب منه أن يشغل باله بالمال و العمل ولكن أخذت شىء فى المقابل..إختطفت بصره..لا يوجد عروض مجانية فى تلك الدنيا.
بمجرد إنتهائه من الشاى إنضم لطاولته رفاق كل يوم، الأستاذ سمير صاحب محل الأدوات المكتبية، عبد الشافى أفندى وكيل أول وزارة محال على المعاش، و بعد تبادل التحيات و السلامات تبدأ جولات المناقشات، أخبار و أحوال البلاد، مجادلة حول مبارة الأمس و توقعات مبارة اليوم، التحسر على أحوال الزمان و التمنى بعودة الماضى و ما كان، ثم فجأة ينقطع الكلام..ينساب لأنفه رائحة عطر أنثوى نفاذ..ضربة كعب صوتها يدق فى القلوب..إنه يعرفها حق المعرفة..مثله مثل الجميع..إنها دنيا..إنها الرقة و الدلال..إنها القسوة و العنفوان..إنها الفضيلة و الرذيلة..الجمال الهادىء الرقيق و الجاذبية المتوحشة..الملابس التى ليست بفاضحة و لا محتشمة..إنها الوعد الغير مرهون بأى ضمانات، يطول الصمت حتى تختفى عن الأنظار و يصيح صبى المقهى بالجملة الختامية قائلاً:
-و عندك شيشة معسل أوييييى و شاى سخن مولع ناااااار
يقول عبد الشافى أفندى و هو شارد:
-هى دنيا مش عايزة تسيب الناس فى حالها ولا الناس عايزة تسيبها فى حالها
يرد الأستاذ سمير قائلاً:
-أديك قلت..حتى إللى بيسيبها..لازم هى تجيبه
يقول صابر:
-ما كتير سايبنها و لا عرفت تشدهم
يبتسم الأستاذ سمير متهكماً و يقول:
-مش قصدى حاجة يا صابر ياخويا بس أصلك مش شايفها
يضحك صابر و يقول:
-مش يمكن ده فى صالحى..طيب ما تقولى على إللى إنت شايفه
يتنهد الأستاذ سمير و يقول:
-فيها راحة غريبة عارف إن فيها تعبك و مع ذلك عايزها..تشدك كده من غير ما تتكلم ولا تقول أنا فيا و فيا..تبقى عايز تجرى وراها بالمشوار و كل ما تفتكر إنك ملكتها تحس إنها هتطلعلك لسانها و تقولك كان غيرك أشطر..و تبقى شايفها قدام عينك لو مديت إيدك هتمسكها لكنك ولا تعرف تلمس شعرة منها إلا بإذنها
يرد الأستاذ عبد الشافى متهكماً:
-هى خلتك فيلسوف ولا إيه..يا راجل ده إنت إبنك بقى طولك
يجيبه الأستاذ سمير ضاحكاً:
-و لو أطول منى..ولا عشان راحت عليك يا راجل يا عجوز
تعالت ضحكات الجميع و مر اليوم و جاء الليل و كان صابر يجلس فى شرفة منزله يستمع لكوكب الشرق و هى تصدح قائلة:هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفِكَرُ
هذه الدنيا ليالٍ أنت فيها العُمُر
هذه الدنيا عيون أنت فيها البصرُ
هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر
يبتسم بعدها و يأخذه الخيال إلى دنيا..ترى كيف تبدو تلك التى تنعقد أمامها الألسن و ترتجف لها القلوب و تشخص لها الأبصار..يراها بعينين واسعتين سوداتين كقاع بئر سحيق لا تدرى أين نهايته..شعر ثقيل كالقطيفه يسترسل على كتفيها فى إنسيابيه و غجرية يوحى بالراحة و لكن يحمل فى طياته المتاعب..أنف حاد يتطلع فى تكبر على الآخريين..شفتان شهيتان كثمرات الفروالة الطازجة التى بللتها حبات الندى فزاد بريقها و جعلها تنزلق هاربة دون أن تشعر..رقبة طويله ممشوقة تحمل رأسها كتاج لملكة من ملكات الإغريق..جسد منحنياته نُحتت بإتقان فحتى الهفوة بها صنعت الجمال..نهدين من المرمر شامخان على الرغم من ليونتهم المفرطة..مؤخرة ممتلئة و هشه كوسادة من ريش النعام لكنها لا تفرق فى الأحلام..ساقين ممشوقتين ملفوفتين ناعمتين كملمس الرخام و نفس القدرة على الإنزلاق..و قدمين بأظافر مقلمة و طلاء أحمر نارى يخلب الألباب و يفضح الشهوات يتربع فوقهم خلخال ذهبى ملاكهم الحارس.
إنه الخيال و ألاعبيه..لا تعرف إذا كانت هذة قدرة الإنسان المحدودة على الخلق أم إنه كله إسترجاع لما رأى و فات.
حتى عندما غلبه النعاس و فى عالم الأحلام، لم تغيب دنيا عنه، عبثت بأحلامه كثيراً و حاول ترويضها قليلاً.
بعد إستيقاظه و بعد أن إستعد للخروج لممارسة عاداته اليوميه دق جرس الباب، إتجه نحوه مسرعاً على قدر المستطاع و فتح الباب قليلاً متسائلاً:
-مين؟
جائه صوت و رائحة أنثوية قائلة:
-إزيك يا صابر أنا دنيا
من يبدأ بالحديث؟ من ينتزع خنجر الجرأة و يطعن هذا الصمت المزعج؟ ما الذى يقال؟ لقد ظل صابر جالساً قبالة دنيا لعدة دقائق لا يفعل شىء سوى أن يتنفس بصوت عالى و عقله و قلبه سجينان زنزانة التوتر، لا هذا ليس حاله دائماً مع النساء، فهو شخص حلو اللسان مع الجميع، لكنها القيود التى يصنعها مخزون الحكايا و الأساطير فتكبل حرية الألسن..بل و العقول و القلوب.
تنحنحت دنيا فزاد توتره..ثم تكلمت قائلة فى خفوت يشوبه نبرة باسمة:
-إنت يا صابر قلقان منى؟ يمكن تكون سمعت عنى كتير..فيه إللى صح و فيه إللى غلط..و غيرك كتيرسمعوا و إتكلموا و شافوا..بس كل واحد و هواه
رد صابر بتوتر و نبرة بها الكثير من البراءة:
 -هو حضرتك بتقوليلى الكلام ده ليه؟
شعر بإبتسامتها الحانية فى نبرتها عندما قالت:
-عشان إنت من حقك تعرف..كل واحد من حقه يعرف..مش حد تانى إللى يعرفه
-أنا بردو مش فاهم ليه أنا بالذات لازم أعرف؟ و أعرف إيه؟!
-تعرف إللى عايز تعرفه..تعرف إللى بتتخيله و تفكر فيه..تعرف مين دنيا و عايزه إيه..حتى لو ما وصلتش لكل حاجة..بس ما تفضلش فى الضلمة إللى غيرك فارضها عليك
أجابها فى نبرة منكسرة:
-أنا كده كده فى ضلمة
-الضلمة مش فى العين يا صابر..الضلمة فى العقل..فى القلب..لما إتنين بيحضنوا بعض..محدش بيبص للتانى بعينه
إبتلع ريقه و إرتجف قلبه، لا يعرف إذا كان ذكر العناق أم تلك الفرصة التى تمنحها له، قبل أن تتلاعب به الأفكار سمعها تنهض من مجلسها فيزداد إنتشار عطرها الذى يخدر الأعصاب و يلهبها و إتجهت صوب الباب ثم إلتفتت له قائلة:
-هشوفك بعدين يا صابر
إستمع الأستاذ سمير و عبد الشافى أفندى لصابر و بعد ما أنهى حديثه قال الأستاذ سمير فى نبرة الحالم:
-يا سلام يا عم صابر..ده إنت إتفتحلك باب النعيم
رد عبد الشافى أفندى محذراً:
-أو باب الجحيم
عاجله الأستاذ سمير مسرعاً:
-إنت هتخوفه ليه!! ما هو يقدر يعمل إللى عايزه و فى أى وقت يحس إن فيه غلط يبطل
رد عبد الشافى أفندى:
-دى الخدعة إللى عمرها ما بتقدم
طال جدالهم و صابر بينهما، كل منهما منطقه سليم و لكنه يتعارض مع الآخر، و ظلوا هكذا طويلاً حتى تشعر بإنه جدال مستمر إلى أبد الأبدين.
هل تعمدت دنيا أن تتقرب منه أم إنه الذى أخذ خطوة فى الطريق، بدا له إنه شىء محتوم لا فكاك منه، تعددت اللقائات و طالت الأحاديث و تبسمت الوجوه و خفقت القلوب و إرتجفت الجفون و إرتعشت الأيدى، ملئت اللذة الأنفس و تملك كل منهما من الآخر..على أغلب الظن!!
ظل عبد الشافى أفندى ثابت على تحذيراته الحكيمة و ظل الأستاذ سمير يشجعه على إشباع سعادته، و دنيا معه بسيطة..محببه..لا هموم تصاحبها ولا مشاكل تعكرها.
مع مرور الوقت بدأت التغيرات، لو أن شيئاً يبقى على حال ما تعاقب الليل و النهار، لاحت شمس الهموم فى الأفق و غطت بعض سحب المشاكل سماء السعادة و تعكرت مياة البساطة ببعض شوائب الحياة،
إنه عجب العجاب..كل شىء حاد..الحزن شديد و الفرح كثير..الحب وفير و الكره مديد، أصبح صابر شاطىء و دنيا الموج..يشتاق إليها فتغمره ثم تسرع منسحبة عنه.
قضت معه الأيام و الليال..فى إحدى المرات قررت البيات بجواره..فقط النوم بجواره..و لإنه الأختبار الأصعب، دخلت بين ذراعيه و أراحت منحنياتها على جسده، ملأت أنفه برائحة شعرها، نامت أناملها على صدره، تزامنت دقات قلبيهما معاً.
إستقيظ صابر من النوم و لكن دنيا ليست بين ذراعيه، تتأرجح مشاعره بين الإلتهاب و الراحة كبندول ساعة حائر لا يستقر أبداً، سمع صوت خرير المياه القادم من المطبخ فأيقن إنها تقوم بإعداد الإفطار..تثاؤب ملياً ثم توقف فجأة و صرخ قائلاً:
-دنياااااااااااااااا
ليس من عادة دنيا أن تهرع ملهوفة لمن يستنجد بها، لذا فقد تأكدت أولاً من عدم تلف ما كانت تقوم بتحضيره ثم إتجهت إليه فى خطوات ثابتة ليست ببطيئة ولا سريعة.
كان صابر جالساً على طرف الفراش يغلق عينيه و يفتحهما و وجهه يرتسم عليه إمارات الدهشة و الألم، إلتفت بنظره نحوها و هى واقفة عند مدخل الغرفة تراقبه بإهتمام دون أى تعليق، هى كذلك كلما إشتدت العلاقة بينك و بينها فإنها لا تطمئن على أحوالك، بل تنتظر أفعالك و تتجاوب بعدها..أو لا، بدأ صابر الكلام بلهجة مرتجفة قائلاً:
-دنيا..أنا..أنا شايفك!!
طال صمتها و تطلعها إليه و كأن كلماته لم يكن لها أدنى أثر عليها..عجيبةٌ هى..لم يعرف أحد ما يثير جنونها و ما يهدىء من روعها..لكن من المؤكد أن لا يوجد شىء يدهشها،
تحركت فى بطء و جلست بهدوء بجواره و سألته:
-و شايف إيه يا صابر؟
إلتقط صابر وجهها بين كفيه و هو يتطلع لها بعينان لم تعتادا الضوء بعد، ثم قال:
-شايفك جميلة
إبتسمت ثم أزاحت كفيه برفق و ربتت على ظهر يده قائلة:
-هنشوف ده هيفضل رأيك لحد إمتى
ثم قامت متجهه خارج الغرفة و صابر يتطلع لها فى حيرة ثم توقفت عند الباب و إلتفتت له برأسها لتعطيه إبتسامة ساحرة ثم أكملت طريقها خارج الغرفة.
فرح الأصدقاء و الأحباب للخبر السعيد و تمنوا له التوفيق فيما هو قادم مع بعض النصائح و الدعوات.
فى إحدى الجلسات اليومية مع أستاذ سمير و عبد الشافى أفندى، سأله الأستاذ سمير:
-عامل إيه مع دنيا؟
-مش عارف..هو أنا مبسوط بيها..بس حاسس إن فى حاجة مش مريحانى
-إوعى تقولى إنك بعد ما شفتها بقت مش عاجباك
رد عبد الشافى أفندى قائلاً:
-و ما خفى كان أعظم
رد الأستاذ سمير صائحاً:
-يا عبد الشافى أفندى..ما تسيب الراجل يتيسط و يمتع نفسه..ليه بتخوفه
قال عبد الشافى أفندى فى هدوء:
-أنا مش عايزه يخاف من أى حاجه..أنا عايزه بس ياخد باله
سأله صابر و هو نصف شارد:
-من إيه يا عبد الشافى أفندى؟
تنهد عبد الشافى أفندى ثم قال:
-تاخد بالك من دوام الحال..ما تسيبش نفسك و تنسى..السعادة معاها مش دايمه ولا الحزن هيفضل ما بينكوا معشش
قال الأستاذ سمير:
-بص يا صابر ياخويا..دنيا معاك دلوقتى..ما تفرطش فيها..إتبسط و إنسى كل القواعد و القوانين..لو راحت من إيدك مش هتستناك..هتروح لغيرك و إنت إللى هتندم..سيطر عليها و خليها دايماً تحت طوعك
قال عبد الشافى أفندى مبتسماً:
-و لما أنت شاطر أوى كدة..ما كانت قدامك من أول ما جت..ما عملتش كدة ليه..عشان أنت عارف كويس إن ولا أنت ولا غيرك هيعرفوا يعملوا ده
مر الوقت و الزمن، تعاقبت الأحداث و الحكايا، مازالت الأرض تدور حول نفسها حائرة لا تعرف متى تستقر،
إزدادت دنيا غموضاً لصابر، و كان ظنه إنه عندما يراها و يعى تفاصيلها و سيكون هذا راحة البال و لكنه الآن أشد حيرة مما سبق، تارة هى محبة و مطيعة و أخرى هى متمردة، تصفو أوقاتاً كسماء الربيع و أوقاتاً تكون أشد قتمة من مستنقع راكد، و فى أحد الأيام و قبل أن يدخل إلى شارعهم، لمحها تتسامر مع رجل على ناصية الطريق، تهبه أروع إبتسامتها و أكثر نظراتها عذوبة، ترن ضحكتها معه صافية تدعوه عن طريقها للمزيد، ثم إلتقط الرجل يدها و لثمها بحرارة فمالت عليه و طبعت قبلة دافئة على وجنتيه.
ظل صابر قابعاً فى المنزل فى حالة ذهول و صدمة و ألم و مرارة، و هو يسأل نفسه لماذا؟
دخلت دنيا إلى المنزل لا تعبأ لشىء و إتجهت لصابر و قبلت جبهته ثم جلست لجواره، بينما نظراته تمتلىء بالإستنكار هى كعادتها لا تبالى، سألها:
-كنتى فين؟
-كنت مع فايز
-مين فايز؟
إعتدلت فى جلستها و تحولت لنبرة باردة:
-مفيش أى حاجة قالت إن أنا بتاعتك..أما مش ليك أنت و بس..أنا أروح لأى حد فى أى وقت و أعمل إللى أنا عايزاه..وجودى معاك زى وجودى مع غيرك..القرار مش ليكو..القرار قرارى..إنت بس ليك الحق تتعامل معايا إزاى..أكتر من كدة لأ
إزدادت صدمته و خيبة أمله، نعم..كلنا نتمنى أن لا تكون الحقيقة بتلك المرارة،
أشاح بوجهه عنها و إلتزم الصمت و بدأ اليأس ينساب فى عروقه ثم فوجىء بها تدير وجهه إليها ثم تلتقط شفتاه بين شفتيها فى قبلة عميقة..طويلة..دافئة، نسى ما كان و غرق فى حلم جميل، خفتت الأصوات من حوله إلا من صوتهما الذى كان كعزف منفرد فى مسرح خال من البشر، تطورت القبلة إلى عناق إلى إلتصاق إلى عالم سرمدى لا يوجد به زمان أو مكان..فقط جسدان ملتحمان تتلامس به روحان، يتجرع من كأس السعادة بلا حساب حتى أصابته سكرة النشوة.
بينما تهدأ الرواح و الأجساد و مازالت الأنفاث متلاحقة، لثمت دنيا شفتاه بقبلة أكثر عمقاً ثم قامت من جواره و بدأت إرتداء ملابسها إستعداداً للخروج، إعتدل صابر فى جلسته و سأله مدهوشاً:
-إنتى هتمشى؟!
ردت فى هدوء:
-طبعاً
-ليه؟!!
-و إنت مستنى إيه..مش معنى إننا إستمتعنا إنى خلاص بقيت ليك..إنت بس جربت معايا كل جديد..دلوقتى إنت شايفنى صح و عارفنى صح..مش قلتلك رأيك إنى جميلة مش هيدوم..مش عشان أنا وحشة..بس عشان أنت عايزنى على طول جميلة و أنا ماينفعش أبقى كدة..كل واحد فيكو عايزنى أبقى بتاعته و يسيطر عليا  و أبقى سعادته و راحته..داخلين فى سباق مع بعض عليا..و إللى مش بيوصلى فيكو..يقلب عليا و يشتمنى و يقول للكل إنه كارهنى..و إللى بيتبسط معايا شويه بيفتكر إنه كده هو الكسبان
-إنتى ليه كدة!!

-من غير ليه..أنت هتفضل صابر..و أنا دنيا

السبت، 15 أغسطس 2015

حكيم

كان التصوير هو هوايته و شغفه، يتجول فى الطرقات و المدن و البلدان ليلتقط صورة من هنا و أخرى من هناك، كل صورة بالنسبه له تعبر عن حالة..عن فكر..عن قصة،
كان فى غاية الحماس لتلك المنطقة التى على وشك زيارتها، واحدة من أقدم المناطق التى لعب بها التاريخ و صبغها بأحداثه و تغيراته، ثم بدا و كأن التاريخ مل منها فتركها متوقفه عند زمن محدد و ذهب ليلهو فى أماكن أخرى.
كعادته كان يتجول فى المنطقة عدة مرات، يحاور ساكنيها و يراقبهم و يسجل فى ذاكرته مشاعرهم و أفكارهم و أحلامهم كى تساعده فيما بعض على إلتقاط اللحظة المثالية بالنسبة له.
يا لها من منطقة عجيبة، تزخر بمختلف أنواع البشر، لا تستطيع تحديد هوية لهم كما لو أن الحياة إختارت مجموعة من البشر من مختلف الأزمنه و الأمكنه و ألقت بهم فى تلك المنطقة، و العجيب إنهم فى أشد الإختلاف فيما بينهم و فى قمة التوافق فى نفس الوقت!!
ما لفت إنتباهه هو تردد أسم "حكيم" على جميع الألسنه، شخصية حفرت لها بصمة دامغة فى جميع العقول و القلوب، الجميع يعرفونه معرفة لا ريب فيها، يذكرونه فى كل أحاديثهم و يستشهدون به و بمواقفه و أقواله، إنشغل باله به و إحتل الفضول عقله و قرر ملاحقة تلك القصة.
كانت من أشد الرحلات صعوبة عليه، لقد سمع مئات القصص عن "حكيم"، قصص بطولات و أمجاد، أقوال و حِكم و مواعظ، تهكمات و سخرية و معارضات، تشتت عقله و تاه فى دروب الأفكار و تملكت منه الحيرة و ألقت به فى بئر الأوهام.
قالت سيدة مسنة عن "حكيم":
-يا سلام على "حكيم"..ده حبيبى..جالى فى المنام و طبطب عليا و ضحكلى
قالت هذا و هى لم تراه من قبل!
أخرى فى ريعان الشباب، ترتدى ملابس ضيقة نسبياً لكنها تغطى كل جسدها و رأسها قالت:
- "حكيم" هو إللى نصحنا نغطى نفسنا عشان عيب إننا نبان لليسوى و ما يسواش
الحاج صاحب محل العطارة أكد بلا شك قائلاً:
-الست موجودة عشان تخدم الراجل و تحفظه من المعصية و "حكيم" كان عنده ستات ياما بيخدموه و يحفظوه
الشاب الذى يفيض بعنفوان الصحة و يقفز التمرد من عيناه كان رأيه:
-"حكيم" كان بيوهم الناس عشان يسيطر على المنطقة و المناطق إللى حواليها و كتير دخل خناقات و قتل ناس كتير عشان يوصل للسلطة و النسوان
ذلك الرجل ذو النظرة العابسة قال فى غلظة:
-مفيش حد بيعمل زى "حكيم" رحمة الله عليه..كلهم فاسدين و إحنا الحمد لله قلة إللى لسه ماشيين على سلوك "حكيم"
الفتاة رقيقة الملامح ذات الصوت الدافىء قالت حالمة:
-مابقاش فيه رجاله خلاص.."حكيم" ده مفيش زيه..الوحيد إللى كان بيقدر الست و يحترمها
من وسط سحب دخان سيجارة الحشيش أجابه قائلاً:
-أيام "حكيم" كان فى إحترام..إللى يغلط كان يتأدب..حتى لو وصلت إنه يموت عشان يبقى عٍبرة للباقى..دلوقتى مفيش غير المسخرة
أضناه البحث و لعب عقله به و تعجب من كيفية تقدير و إجلال شخص بينما تتناقض حوله القصص و الحكايات، إذا وضعتها بجانب بعضها البعض، لو وجدت إنه كان شخصاً مختل الآراء.
جلس على المقهى يتناول مشروب بارد لعله يطفىء نيران الحيرة، و كان يجلس على الطاولة المجاورة رجل فى العقد السادس من عمره، يمسك بكتاب مظهره يحوى بالعظمة و الأهمية، يقرأه بإهتمام من وراء نظارته المسدله على أنفه، فإنطلق يسأله على الكتاب محاولاً فتج مجال للحديث حتى يتسنى له السؤال عن "حكيم"،
إبتسم الرجل فى هدوء و قال:
-أكيد إنت سمعت عن "حكيم" أشكال و ألوان، حاجات تخليك تقول ده وهم و أسطورة و حاجات تخليك تقول ده ملاك من السما و حاجات تخليك تقول ده أسوأ من الشياطيين
تطلع إليه فى صمت و شعر إنه على وشك سماع ما يرضيه، فأكمل الرجل قائلاً:
- "حكيم" كان موجود فعلاً..بس هو كان بشر..زى بقية البشر كلهم..فيه كل التنقاضات مع بعض..الحاجة إللى كانت مختلفه فيه هى أخلاقه..كانت السر إللى بيحارب بيه جوانبنا البشرية السيئة..كان بيغلط..بس كان بيعترف بغلطه..و يطلب السماح و يتعلم منه و ما يكرروش..الناس عنده كلها كانت سواسية..بيحبهم كلهم و يحترمهم كلهم..ماكانش بيحكم على حد ولا بيعادى حد..أكيد أخلاقه دى هى إللى وصلته للحكمة..سيطر على شهوة الإنسان و إنت تلاقى بعدها مخلوق فى قمة الروعة
سأله فى حيرة:
-طيب ليه فى قصص و حاجات كتير بتتقال عنه مش منطقية؟
أجابه الرجل:
-عشان كل واحد كان بيدور و مازال بيدور عن حاجة ملموسة محسوسة قدامه يقدر عقله يصدقها..بعد كده لما يلاقيها يبتدى يمجدها و يقدسها..و تيجى النفوس البشرية تلعب دورها..كل واحد يفسر الكلام و التصرفات على إللى يناسب شهواته..فى منهم عملوا ده من غير قصد..فهموا حاجات غلط ففسروا غلط..بس ده ما يمنعش إننا عندنا عقل نفكر بيه و نوزن الأمور و ندور و نفهم
تررد قليلاً ثم تشجع و سأل:
-بس يعنى هو "حكيم" ده بشر..إيه المرجع يعنى إللى نقيس عليه تصرفاته أقواله؟
إبتسم الرجل قائلاً:
-المرجع موجود و هيفضل موجود..كلنا عارفينه..المشكلة مش فى المرجع..المشكلة فى الناس إللى عينت نفسها وكيلة عليه و بتشوه صورته
رد عليه فى شك:
-أنت عايزنى أصدق إن كان فى إنسان كده و إن فى مرجع كده..ليه ما يكونش كل ده وهم
مال الرجل نحوه و قال فى هدوء:
-ما دى بقى حلاوة القصة..إنك عندك مطلق الحرية تصدق أو ماتصدقش..و لو صدقت..عندك مطلق الحرية تعمل أو ما تعملش..و لو عملت..عندك مطلق الحرية تفضل تعمل أو تبطل
شرد مع أفكاره..أحس بإجهاد..العقول شقائها الأعظم يأتى مع حريتها المطلقه لا مع قيودها
شعر الرجل بما يعانيه،، فربت على كتفه قائلاً:
-فى إتنين "حكيم" موجودين..واحد البشر إللى زينا إللى ممكن نتعلم منه الأخلاق..و فى الأسطورة إللى صنعها بشر زينا..المهم إحنا عايزين نشوف إيه
تطلع له فى صمت بعينان زائغتان و عرف إنه وضع قدمه على أول طريق الحيرة و لا يعرف متى قد يصل إلى نهايته باليقين.

السبت، 30 مايو 2015

حاجات قليلة كتيرة

خط رفيع..
خط رفيع دايماً ما بين حاجتين،
يخليها حلوة أو يخلى المصيبة مصيبتين،
بس مين اللى بيحكم ما بين الاتنين؟

قالك أصل كل حاجة نسبية،
اللى شايفه عذاب لغيرك راحة نفسية،
شايف الدنيا عجوزة و العيل شايفها حلوة و صبية،
تايه..حيران..مش لاقى حل للحكاية ديه،

يومها كان إعجاب ولا حبيت،
ده كان حقد ولا إتمنيت،
كان آخرك ولا ضميرك غشيت،
بقيت أنانى ولا نفسك حبيت،

قالولك بَطل تسأل و تفكر،
هتلاقى العيشة زى السكر،
ما كله راكب الساقية و بيكركر،
ليه عايز تفضل أنت مكشر،

سِكت..مش عارف من هبلى ولا من خيبتهم، 
سيبتهم يرتاحوا بعيشتهم،
و قمت راسم ما بينى و ما بينهم،
خط رفيع..
========================================
لو فاكر الدنيا حوار
و دايما محطوط فى اختيار
ماتصعبهاش على نفسك..
دى زى ما بيعيش فيها الجبار بيتبسط فيها الحمار
========================================
كل يوم تاخد خطوة فى الطريق..مش عارف إذا كنت بتعوم ولا غريق
حيران ما بين مبسوط و حزين..إختيارك ده ولا ماشى ورا الباقيين
عصفور و مكتوبله إنه يطير..بس مش لاقى حواليه غير قفص كبير
الدنيا دى المفروض لعبتك..بتلعب بيها و لا خلاص فتنتك
سمكة و نفسها فى البحر تعوم..ما تحملش هم بكرة و تعيش اليوم بيوم
مش عايز للحقيقة تبقى شايف..إيه بس اللى مخليك خايف
لمعة الدهب و الياقوت..ما بينفعوش بحاجة لما بيجى الموت
بقيت على الفلوس مسروع..نسيت إن زى الجسم الروح كمان بتجوع
زى كل مرة هتفضل فكرة..ولا نويت تتغير من بكرة
========================================
كان ياما كان..هما كانوا كدة أيام زمان..و قالولنا إن ليس فى الإمكان أبدع مما كان
عدى عليك قليل و كتير..و فى يوم زهقت و طلبت التغيير..ليه النهاردة بعد ما بقيت
كبير..عايزنى أفضل لأفكارك أسير
يمكن تكون الحماسه واخدانى..ماشى بقول التمرد عنوانى..مفيش غير أفكارى إللى 
عاجبانى
ما تعلمنى و سيبنى أختار..مفيش حاجة بتيجى إجبار..ده حتى ربك خيرنى بين الجنة و 
النار
أكيد منك بتعلم..بسمعك كويس و أنت بتتكلم..بوزنها فى دماغى حتى لو كان شكلى مبلم
بس الدنيا بتتغير كل يوم..إللى كان فاكر إنه صح طلع كان موهوم..و إللى كنت بتغرق 
فيه الناس النهاردة فيه بتعوم
ترد تقولى ماينفعش..هم غلطانين و إنت متعرفش..إسمع الكلام و دماغى ماتصدعش
بدل من خبرتك استفاد..أروح أغلط من باب العناد..فإللى يهمك بس إذا كان حد عرف 
من بقية العباد
ليه أمشى على العُرف و العادات..كلمتين إتقالوا فى وقت عدى وفات..و أدينا منهم 
بنعانى صبيان و بنات
شجعنى و فهمنى و كلمنى..بلاش من الحرية تحرمنى..أنت خايف عليا ولا خايف منى
الدنيا ماشية بسرعة البرق..كل يوم بيكبر بينى و بينك الفرق..بقينا واحد فى الغرب و 
التانى فى الشرق
نفسى تعرف إنى مش عايز ألغيك..لا أحطك على جنب ولا أنحيك..عايزك تفهمنى و 
تبطل فى كلامى تشكيك
كل ده مش جديد..الزمن لنفسه عمال يعيد..و كان دايماً الحل الأكيد..إن النار هى إللى 
بتسيح الحديد
========================================
لو حسيت قلبك تاه فى يوم
متقعدش تدور على مين تلوم
خليك مستنى..
لما الشمس تطلع من ورا الغيوم
========================================
حوض السمك..
سمكة عايشة فى حوض كبير..وسط أهلها و أصحابها من السمك التانيين، عارفة إن الأكل هيجيلها و كمان اللى هتحتاجه من الأكسجين.
صحيح الحوض واسع و جميل، و كل فترة بيتغير ديكوره و يدخل فيه سمك جديد و ساعات يمشى منه سمك قديم، حوض فيه الأمان و مفيهوش خطر الإفتراس من السمك الكبير لكن..
السمكة حاسه إن مهما كان الجديد..ففى حد تانى إللى بإيده التغيير، حد تانى إللى بيحدد الأكل و الديكور و حتى السمك اللى يفضل و السمك إللى مش بيليق.
يا ترى البحر الواسع إللى برة مخيف؟ ماتبقاش عارفه فين الأكل و فين الصحاب و الأهل و الأمان؟ يا ترى البحر الواسع فيه كام إحتمال؟ يا ترى إحساس الحرية تمنه كام؟ يا ترى سعادتها فى الحوض ولا لازم تجرب البحر كمان؟
السمكه خايفه من البحر ولا خايفه على الحوض؟ خايفه يروح منها الديكور و الأكل الجاهز و الأمان؟ طيب ما كل ده بردو مش مضمون..مش إللى بيتحكم فى كل ده ممكن يغير رأيه فى يوم؟
فى البحر هتعيش اليوم بيوم، مفيش حاجه إسمها عشان بكرة ولا خطة الأسبوع، إحساس مخيف لكن لذة المفاجأة ما بتنتهييش.
فى الحوض الراحة و مفيش قلق من حاجات كتير، مش لازم تفكر فى البحر الواسع ما كده كده هى ماشفتوش يبقى مش فايتها كتير.
السمك التانى بيقول كده أحسن و البحر غدار، و لو فيه الخير بس الاكتر الأشرار، أديكى يا سمكة عايشه و مرتاحه و ضامنه أكلك و أمانك.
طيب و كل السمك التانى إللى فى البحر موجود، ليه هو كمان مش بيدور على حوض، 
يمكن عشان عرف إن الغدر مش من البحر، و إن السمك التانى هو إللى فيه الغدر.
السمكة مش عارفه تقرر..أو عارفه بس خايفه تغامر..الحوض هو إللى إمتلكها و كانت دايماً فاكرة إن هى المالكة.
ممكن يجى اليوم و فيه تخرج من الحوض، ترمى نفسها فى البحر و تجرب فيه العوم، تعيشها يوم بيوم و تشوف إيه هناك موجود.
جايز بردو تفضل هنا، ترضى بالموجود و تحاول بيه تتبسط، يمكن هى مش من السمك إللى بعيش فى البحر، سمكة تفضل موجودة هنا فى..
حوض السمك..
========================================