الاثنين، 27 أكتوبر 2014

قررت أدفن نفسى معاك

الخميس ليلاً:
عندما تم الإعلان عن إستراحة قصيرة، بدأ الجميع فى التوجه إلى باب الخروج، البعض إتجه إلى دورات المياة بينما إتجه آخرون لتناول المشروبات و بعض المأكولات الخفيفة،
كما هو الحال فى جميع حفلات الأوبرا، يقوم الحاضرون بإعداد مشروباتهم بنفسهم، 

الماكينة المخصصة للحصول على الماء الساخن لإعداد كوب من الشاى تعاندنى و ترفض مدى بالماء اللازم،
أعداد من فى إنتظارى تزداد..يضغطون على بنظراتهم التى تحمل اللوم و الضيق من عدم قدرتى على التعامل مع الماكينة..الأفضل أن أتخلى عن تلك الفكرة كى أتخلص من هؤلاء السخفاء..لم يتحرك منهم أحد ليعرض المساعدة بدلاً من سخريتهم الصامتة..نبرة هادئة تأتى من خلفى قائلة:
- تسمحيلى أساعدك
أفسحت مكان له أمام الماكينة  قائلة:
- إتفضل..أنا مش عارفه مالها دى
إستطاع بعد بضعة محاولات أن يعالج الماكينة و صب الماء الساخن فى الكوب الخاص بى ثم ناولنى إياه قائلاً بإبتسامة و نبرة هادئة:
-إتفضلى
تناولت منه الكوب..إبتسمت مجاملة و أنا أقول:
- شكراً..تعبتك معايا
إكتفى بإيماءه برأسه و إبتسامة..إبتعدت عن المكان متجهة إلى الشرفة حيث المكان المخصص للتدخين،
إخترت بقعة بعيدة نسبية عن التجمعات حيث أستطيع الإستمتاع بسيجارتى فى هدوء بعيد عن أى نظرات قد تتهمنى بإنعدام الأخلاق من مبدأ إنى فتاة وحيدة تدخن السجائر بجرأة  فى العلن..أو نظرات أخرى تجعل من تدخينى إشارة لتحريك شهواتهم نحوى،
وضعت كوب الشاى..إلتقطت السيجارة و الآن لا أستطيع إيجاد القداحة..الحقيبة صغيرة الحجم فإذا كنت لا أجدها بسهولة إذن فقد فقدتها..تدخل صوت قائلاً فجأة:
- إتفضلى ولاعة
رفعت بصرى مسرعة و قد فزعنى الصوت قليلاً ليطالعنى وجه نفس الرجل الذى ساعدنى عند ماكينة الشاى،
كان يقف راسماً إبتسامة هادئة على وجهه..شعر رأسه الناعم الفاحم السواد..قسماته الوسيمة..عينان تنبضان بالثقة و الذكاء..جسد ممشوق طويل القامة..بدلة فاخرة و رباطة عنق زاهية الألوان،
يمد يده بالقداحة المشعلة..نفس المبدأ..إبتسامة مجاملة تعنى إشارة للملاحقة..فلنستفيد من القداحة ثم يتم الإبعاد بهدوء للعودة إلى مساحتنا مرة أخرى،
أشعل هو القداحة و مد يدة بها..أبعدت شعرى للخلف حتى لا تحرقه نيران القداحة و أنا أميل لإشعال السيجارة ثم تراجعت زافرة الدخان فى قوة لعله يقوم بإبعادة أو يعطيه إشارة بأنه لا مجال لنجاح محاولاته،
ثبت نظره على عينى و هو يقول:
- تحبى أساعدك فى حاجة تانى غير الشاى و الولاعة؟
شعرت بسخافة الجملة و محاولته لجذب أطراف الحديث..مالهم الرجال لا يتمتعون بالإبداع..يكررون أنفسهم جميعاً فى ظن خاطىء أنهم بارعين بينما نحن نفهمهم بسهولة التنفس..رسمت الإبتسامة الجامدة على وجهى إستعداداً لعملية الإبعاد و الصد و هممت بالرد عليه فبادرنى هو قائلاً:
- عندك حق..فعلاً حاجه سخيفة و بتتكرر كل مرة بنفس الطريقة
إندهشت من جملته و إعتقدت لوهلة إنى كنت أتحدث بصوت مسموع..أثارت الجملة فضولى فسألته:
- هو إيه ده بالظبط؟!
تطلع لحظه لى فى صمت بنفس الإبتسامه الهادئة كما لو كان يريد صنع المزيد من التشويق ثم قال:
- فكرة أن عشان مجرد إبتسمتى إبتسامة مجاملة لواحد ولا إتكلمتوا كلمتين مع بعض فخلاص كدة دى إشارة أنك معجبه بيه..الرجالة مش قادرة تفهم إنكوا فاهمين الحركات دى و حافظينها
سحب نفس طويلاُ من سيجارته و نفخ دخانه و أكمل:
- عموماً كانت فرصة سعيدة و أتمنى إنك تستمتعى بالحفلة
ثم إبتعد فى هدوء متجهاً صوب مجموعة من أصدقائه، تطلعت إليه فى إستغراب..هززت رأسى و غممت بإبتسامة ساخرة:
- ده ماله ده !!
عدت إلى دائرة نفسى مرة أخرى و إن كنت لم أستطع طرده بالكامل منها..إنتهيت من الشاى و السيجارة و فى أثناء إتجاهى عائدة إلى القاعة..كان ذلك المجهول يتضاحك مع أصدقائه و فتاة تقف بجوارة..ما تلك المياعة التى تميل بها نحوه و هى تضحك..ثوبها غير مناسب لجسدها بالمرة..حقيبة يدها سيئة للغاية.

أجمل ما فى العودة للمنزل..التخلص من القيود اللازمة لإرضاء الأنثى بداخلى..الحلى..مساحيق التجميل..حمالة الصدر..إلخ
ها هى أنا..عندما أطالع نفسى فى المرآة أعرف جيداً أنى لست على قدر عالى من الجمال..لا أتمتع بالجسد الفاتن الذى يحرك نظرات الرجال..لست بقبيحة..لكنى لست بملفتة..تعبير "عادية" هو ما يناسبنى..إذن ما الذى يجذب رجل وسيم مثله نحوى..هل كان منجذب لى بالفعل ام أن بالفعل كل هذا حدث مصادفة..كيف إستطاع إستنباط ما يدور بعقلى و رمى تلك الكلمات لى و إبتعد..لماذا إبتعد بتلك الطريقة إذا كان مهتم منذ بدء الأمر..هل كنت السبب فى إبعاده بنظراتى الجامدة و تلك التعبيرات التى أرسمها على وجهى لإبعاد كل من يحاول إقتحام على خلوتى..هل هذة آثار إحدى الحبوب على وشك أن تهاجم وجهى..حاجباى أيضاً يلزمهم بعض العناية..هل بإقترابه منى إكتشف إنى لست بالجمال الكافى فقرر الإبتعاد..لماذا لا يقضى وقته مع تلك المائعة التى تبدو على أتم إستعداد لتلبية رغباته بذوقها السىء..فيما يبدو أنها محاولة عابرة كمثيلها من المحاولات السابقة من الرجال الذين لا يستحقون هذا اللقب.
الجمعة صباحاً:
إستيقظت باكراً..هذا اليوم الذى يتحرك فيه جسدى بنشاط بينما روحى تنزف حزناً و حسرة،
إرتديت ملابسى التى إتسمت كلها باللون الأسود و قمت بتغطية شعرى بشال خفيف..لا أعرف إذا كان سبب تلك التغطية هو الإحتشام ام الخوف ام الاحترم ام كل هذا سوية،
إتجهت صوب المقابر بسيارتى و المذياع المغلق و الشوارع الهادئة فى ذلك الوقت من الصباح و السماء الملبدة بالغيوم تغطى على أشعة الشمس كأنها على إتفاق معى لتهيئة الجو العام لتلك الزيارة،
توجهت صوب القبر و قلبى يخفق بعنف كما لو أنى من على وشك أن تدفن و لست فى زيارة له..روحى تتوسل لى أن أبتعد و أعود أدراجى بينما عقلى يدفعنى دفعاً إليه..وصلت و ظللت أتطلع إلى الأسم المدون على القطعة الرخامية و كأنى أقرأه لأول مرة بينما يقوم حارس القبر بفتح الباب الذى يصدر صريراً مزعجاً يرتجف له قلبى..يفتح باب أكشف فيه عن ما بداخلى دون أى قواعد دنيوية..دلفت إلى الداخل و أطلت النظر إلى القبر فى إنتظار رد أعرف أنه لن يأتى..جلست على القطعة الرخامية و تنهدت تنهيدة حارة لعلها تنفث بعض اللهيب الذى يموج به صدرى ثم بدأت بالحديث.

الأحد صباحاً:
كنت مضطرة إلى الذهاب إلى هذا الفرع من البنك الشهير لإيداع المال الخاص بالمنظمة التى أعمل لديها القائمة على إنقاذ و رعاية أطفال الشوارع..لم أعد أحبذ التعامل ما هو غريب عنى..أميل للمعتاد و المتعارف عليه..فقدت الرغبة فى كشف نفسى لنفوس جديدة بهذا أحميها من التعرض لما يثقلها،
كنت فى إنتظار دورى..منشغلة بالنظر إلى هاتفى..متفادية نظراتهم..لا يعرفونى و لا أعرفهم لكنى أشعر بأن الجميع على دراية بقصتى..قاطعنى صوت قائلاً:
- مساء الخير
رفعت عينى فى بطء تجاه صاحب الصوت..كانت مفاجأة غير متوقعة على الإطلاق..إنه المجهول من حفلة الأوبرا !! هل يتبعنى !! هل من الممكن أن تكون الصدفة حكيمة إلى هذا الحد كى تجمعنى به مرة أخرى !! سيطر على الإرتباك فلم أستطع حتى رد التحية..مد يده إلى بالسلام قائلاً:
- عادل يسرى..Finance team leader
أفقت فى تلك اللحظة من حالة الصمت و مددت يدى أصافحه قائلة:
- مساء النور
شعرت بقوة يده و ملمسها الخشن و هى تصافح يدى..شعور غير مفهوم يسرى بى..شعرت بأن تلك اليد ليست بغريبة عنى..إبتسم قائلاً:
-إتفضلى معايا يا....
صمت فى إنتظارى للنطق باسمى..مازال ذلك الشعور يربكنى لكنى تمالكت نفسى قائلة فى صوت خفيض:
- سلوى
إتسعت إبتسامته لتكشف عن صفين من الأسنان البيضاء يتم العناية بهم باهتمام ثم قال:
- إتفضلى معايا يا سلوى و هخلصلك كل الإجرائات
نفس جديدة تحاول إختراق دائرتى المغلقة..أجبته مسرعه فى محاولة للهروب:
- لا مفيش داعى أتعبك..أنا دورى قرب خلاص
رد و وجهه يحمل نفس الإبتسامة و بنفس النبرة الواثقة الهادئة:
- طيب مش مشكلة تعالى إشربى قهوتك لحد ما حاجتك تخلص..إنتى ضيفتنا النهاردة..حتى عشان خاطرالصدفة السعيدة اللى جمعتنا تانى دى
لا أعرف إذا كانت كل المخارج قد أغلقت أمامى ام أنى قررت الإنصياع لفضولى لإكتشاف ذلك الرجل الذى برز فجأة فى حياتى و يضعه القدر فى العديد من خطواتى،
جلست قبالته و جلس هو خلف مكتبه و رفع سماعة الهاتف و هو يسألنى:
- قهوتك إيه؟
- على الريحة
أملى طلبه فى الهاتف ثم أغلقه و نظرإلى مبتسماً و عيناه تنطقان بإهتمام و تطلع قائلاً:
- قوليلى..كنتى جاية تعملى عندنا إيه؟
- مفيش كنت هعمل إيداع..بس كدة
إلتقط قلم و أخرج ورقة من أحد الأدراج و دفع بهم إلى و هو يقول:
- طيب إملى البيانات دى و إحنا هنعملك الإيداع على طول
بدأت فى ملى البيانات بينما رفع هو الهاتف قائلاً:
- نورا..من فضلك تجيلى دقيقة
مرت دقيقة بعد أن أجرى مكالمته و كنت قد إنتهيت من إكمال البيانات..جائت فتاة تبدو فى منتصف العشرينات من عمرها..تتمتع بجسد فاتن ملفت للأنظار و وجه حاد الملامح و عينان جريئتان..ألقت نظرة متفحصة سريعة نحوى..بينما قام هو بإعطائها الورقة قائلاً:
- بعد إذنك يا نورا تخلصيلى طلب الإيداع ده
ثم إلتفت إلى قائلاً:
- إديها المبلغ بعد إذنك يا سلوى
لا أعرف لماذا إرتفعت دقة من قلبى أعلى من الباقيين عندما نادانى باسمى بمودة خالية من الألقاب و الحواجز..ناولتها المبلغ شاكرة إياها فبادلتنى الرد بابتسامه صفراء ترمى إلى شىء واحد و هو "و دى مين دى بقى إن شاء الله"
بمجرد مغادرة صاحبة القوام الفاتن..قال لى:
- أكيد الصدفة دى وراها سبب..أنا ممكن أقعد دلوقتى أخترع قصص و حجج كتير لكن مش هعمل كدة..أنا يا سلوى أتمنى إنى أقدر أشوفك تانى
لن أنكر أن تلك الصراحة المباشرة أدهشتنى و أعجبتنى فى نفس الوقت..بدون شك فأن الرجل الجرىء ينل إعجاب الأنثى..لكن ما الذى يسعى إليه و ما هو مراده..لا توجد أى علامات على يديه أنه لديه خطيبة أو زوجة..إرتباكى فاق قدرتى على إتخاذ القرار..خرج صوتى أشبه بالحشرجة قائلة:
- ما أكيد..إحنا كدة كدة بنشتغل مع البنك بتاعكوا
مال بجذعه نحوى و عيناه تخترقان عقلى و رائحته المفعمة بالرجولة تملأ أنفى و هو يقول:
- أكيد أنا مش قصدى على الشغل..أنا عايز أعرفك أكتر..مش لازم كل واحد عايز يعرف واحدة يبقى غرضه وحش..إحنا كلنا بشر بنميل إننا نعرف بعض..و إنتى فى إيدك توقفى المعرفة دى فى أى وقت لو حسيتى أنها مش عاجباكى..و مفيش حد بيغصب حد على حاجة..بس فى ناس بتحس أنك بتستريحلهم على طول من غير سبب مفهوم..لو مفكرتش تحاول تقرب من الناس دى..يا أما هتنتهى لوحدك أو هتنتهى مع ناس شبه مفروضه عليك
لم يسبق لى أن سمعت تلك الكلمات من قبل..كلماته تنساب لأذنى بسهولة و تستقر بعقلى إستقرار العصفور فى عشة وقت الغروب..فقدت السيطرة على كل قوانينى الخاصة فخرج منى الرد:
- طيب أنا مش عارفه أعمل إيه؟
إلتقط هاتفه المحمول و قال:
- إحنا ممكن ناخد أرقام بعض و نبتدى نتكلم و نسيب بعد كدة الدنيا تشوف هتودينا على فين
كالمسحورة أمليته رقمى و حفظت رقمه و وصل العامل بالقهوة و بدأنا نحتسيها فى صمت و كل منا يسرق نظرات صوب الآخر.

بعد ثلاثة أشهر:
كان يتحدث بمرح و يحكى بكل حماسة عن رحلته فى أمريكا و المواقف الطريفة التى حدثت له..كنت أستمتع بحديثه..كلماته عذبة..نظراته تفضح إعجابه على الرغم من محاولاته الدائمة للحفاظ على هيبته و قدرته على التحكم فى مشاعره..مازالت نظرات الحزن و الخوف تملأ عيناى دون أن يستطيع كشف أسبابها التى دفنتها هناك فى ذلك القبر..فجأة دون مقدمات قاطعت حديثه قائلة:
- عادل أنت نمت مع كام واحدة قبل كدة؟
بهت للسؤال الجرىء المفاجىء ثم ضحك ضحكة خفيفة و هو يقول:
- يعنى سؤال غريب فى وقت أعجب
- معلش..بس ممكن تجاوبنى؟
تنحنح و إرتشف من كوب الماء ثم قال:
- بصراحة..مع 4..3 منهم أجانب و واحدة مصرية
- كنت بتحبهم
- لأ
- طيب نمت معاهم ليه؟
ضحك فى إرتباك و خجل ثم أجاب:
- يعنى..عشان..السبب اللى الناس كلها بتعمل كدة عشانه
- تفتكر لو أنا اللى عملت كدة..أو عملت زيك بالظبط..ده هيبقى عادى و يبقى عشان السبب اللى الناس كلها بتعمل كدة عشانه؟
- هو أنتى عملتى كده!!
- دى مش إجابة سؤالى
صمت لبعض لحظات..يبحث عن الإجابة المناسبة أو مازال تحت تأثير الصدمة لكنه أجاب:
- مش عارف يا سلوى
صمت أنا الأخرى..كان ما هو قادم موجع..ثقل أحمله على روحى فى كل لحظة..تنهدت ثم قلت:
- و لو عملت كدة مع واحد كنت بحبه و بيحبنى..تفتكر ده عادى؟
- من غير جواز..لأ مش عادى
- طيب لو هو مش عادى..هيفضل رأيك فيى ذى ما هو؟
- سلوى هو إيه لازمة الأسئلة دى كلها !!
لم أكن قادرة على البوح..لكن لا مفر..لقد وعدته أن أبوح بالسر..لقد أخبرته بأنى أريد أن أتخلص من قيود الدائرة التى رسمتها لروحى..نظرت إلى أسفل و بصوت خفيض تكلمت قائلة:
- أنا كنت على علاقة مع واحد زمان..كنا بنحب بعض حب زى بتاع الأفلام..كان لسه قدامه كتير عقبال ما يبقى قادر مادياً يتجوز..ماكانش عندى مشكلة أستناه..بس مع الوقت مشاعرنا كانت بتكبر..و الغريزة عاملة زى الكرباج اللى عمال يلسعنا كل شوية و ضرباته بقت بتوجع أكتر و أكتر..فكانت النتيجة مفيش مفر منها..و جسدنا مشاعرنا لعلاقة جنسية..و بعدها إتمسك بيا أكتر..و بقى بيبذل مجهود مضاعف عشان نتجوز..لغاية لما جه فى يوم سابنى و مشى
- إزاى !! مش بتقولى انه كان متمسك بيكى؟
إنسابت دمعة وحيدة من عينى لم أحاول كتمانها لعلها تكون برداً و سلاماً على ما يعتمل بقلبى و أجبته:
- مات فى حادثة عربية
إنعقد حاجباه فى شدة و عجز عن الكلام..حتى لم يحاول أن يدعو له بالرحمة..كنت أراقب نظرات عينيه التى إختفى منها بريق الإعجاب ليحل مكانها نظرة اللوم و الشك..بحت له بأعمق أسرارى..عريت روحى أمامه فشعرت معها أنى قد عريت جسدى..عندما طال صمته بادرت أنا قائلة:
- طبعاً أنت هتقول إزاى أبقى مع واحدة مش بنت..و كمان من غير جواز..دى على طول تبقى منحرفة..لعلمك أنا مش هدافع عن اللى عملته ده و أقول أنه صح..بس أنت نمت مع كام واحدة و من غير حب و المفروض أن ده عادى و كدة أنت خبرة و تمام..و أنا اللى عملت كدة مع واحد جوازنا كان واقف عشان ظروف البلد الوسخة اللى عايشين فيها بقى كارثة و حاجة لازم أتعاقب عليها طول عمرى..مع إن حتى ربنا مفرقش فى العقاب بين واحد و واحدة..جينا إحنا خليناها حلال للراجل و فضيحة للست..بقت مشكلتنا كلها فى غشاء البكارة..مع أن ملايين البنات بيعملوا كل حاجة مع اللى بيحبوهم بس ماعدا أنهم بضيعوا غشاء البكارة..هى دى بقى العذراء فى نظركم؟
- سلوى أنا..
لم أكن على إستعداد للإستماع إلى المزيد من الكلمات الساذجة التى تنهش فى كرامتى بلا طائل منها فقاطعته و أنا أهب واقفة:
- مع السلامة يا عادل
لم أحاول الإلتفات لندائه أو التوقف..الطريق يكاد تختفى معالمه من أمامى بسبب الدموع التى تملأ عيناى..ركبت سيارتى و إتجهت إلى المقابر..بعد دخولى إلى القبر..وقفت أمامه..تطلعت له و أصبحت كأنى أراه أمامى..خاطبته قائلة:
- أنا خلاص..قررت أدفن نفسى معاك. 




الأحد، 12 أكتوبر 2014

لو جالك دور برد

- حاضر..حاضر..مش هتأخر كالعادة..سلام
أنهى مكالمته بإبتسامة و بتلك العبارة مع صديقة الطفولة التى كانت تدعوه لحفل عيد ميلاد زوجها الذى كانا سيقيمونه فى منزلهما، إتجه إلى منزله لتبديل ثيابه ثم ذهب إلى إحدى محلات الحلوى ليشترى كعكة لتكون الهدية التى يقدمها ثم إتجه إلى الحفل،

كان الحفل بسيط..ضم مجموعة من أصدقائهما المُقربين..تبادل الجميع الأحاديث و المزاح و الأخبار فى جو هادىء ملىء بالمرح و السعادة،
إتجه إلى الشرفة ليجيب مكالمة هاتفية و هو ينهى المكالمة فوجىء بصوت من خلفه يقول:
- ايه ده..أنا أسفة
إلتفت إلى صاحبة الصوت..كانت إحدى المدعوات لكنه لا يعرفها..إبتسم بهدوء و قال:
- لا مفيش مشكلة أنا خلصت تيليفون خلاص
بادلته الإبتسام و دلفت إلى الشرفة و وقف كلاهما يتطلع إلى الطريق الهادىء يغلفهم هذا الصمت المزعج، ثم قطعت هى الصمت بالحديث الأكثر تداولاً للخلاص من هذا الإحراج قائلة:
- أصل الجو جوه حر أوى
وجد الخلاص من هذا الصمت فى جملتها فأجاب مُسرعاً:
- حقيقى..مع إن الجو مش حر أصلاً
- يتهيئلى عشان الشقة دى قابلة
نظر إليها مبتسماً و قال:
- قابلة؟!! يعنى إيه الكلمة دى؟!
شعرت من إبتسامته أنها ربما تكون مخطئه فأجابت فى تردد:
- قابلة..يعنى حر..عكس بحرى
أطلق ضحكة خفيفة فصح توقعها أنها مخطئه فتورد وجهها بحُمرة الخجل ثم أنقذها من خجلها قائلاً:
- طيب هى إسمها بحرى..يبقى عكسها أكيد على نفس الوزن..بحرى عكسها يبقى قبلى
- أه تصدق كدة لايقة أكتر..غريبة أن محدش قبل كدة نبهنى أن الكلمة دى غلط
- أكيد كانوا بيستغلوا الفرصة عشان يقعدوا يتريقوا و يهزروا
- ده أنا هبلدهم على الموضوع ده..إزاى يسيبونى كدة
ثم إلتفتت إليه قائلة بوجه تصنعت فيه الجدية:
- شكراً يا فندم على حُسن تعاونك..مش هننسالك مساهمتك فى إنقاذ الوطن
ضحك لدعابتها و تطلع لها فى نظرة متفحصة بعض الشىء فرفعت يدها اليمنى لتعدل من شعرها فى حركة لا إرادية فالتمع تحت ضوء مصباح الشرفة خاتم الخطبة فى بنصرها،
ساد الصمت مرة أخرى و تطلع كلاهما إلى الفراغ، قطعته هى مرة أخرى متسائلة:
- أنت بقى صاحب هشام؟
- لا..أنا صاحب إيناس..إحنا صحاب من و إحنا عيال صغيرين
- إيه ده..يبقى أنت زياد؟
- بالظبط كده..عرفتى منين؟
- ما إيناس بتجيب سيرتك على طول و بتقول عليك أخوها
- ده حقيقى..لأن هى كمان أختى
حاول الصمت أن يسود مرة أخرى لكن قاطعه هو متسائلاً:
- أنتى صاحبة مين فيهم؟
- أنا نور صاحبة إيناس من الشغل
- فرصة سعيدة يا نور
- أنا أسعد
نادت عليهما إيناس فى تلك اللحظة لينضموا إليهم، كان الجميع يجلسون يتبادلون العديد من الأحاديث و كانت مشاركات زياد محدودة للغاية على عكس نور التى تكاد لا تتوقف عن الكلام و المزاح و التعليق،
و فى إحدى المناقشات إلتفت هشام إلى زياد قائلاً:
- أنت أيه رأيك يا زوز؟
أجاب زياد فى هدوء و نبرته التى تشبه الهمس:
- ما تستهونش بقوة التعود..العادة ممكن تخلينا نعمل حاجات كتير مش بنحبها لكن عشان إتعودنا عليها بقت واقع بالنسبة لنا
فى تلك اللحظة لمح نور فى الجهة المقابلة كانت تنصت له بإهتمام و إنعقد حاجباها بعدها و شردت بعيداً عنهم،

قبل أن ينصرف الجميع كانت إيناس تتحدث مع نور ثم نادت على زياد لينضم إليهما و قالت:
- زوز..مش أنت كنت عايز حد فى شركة ..... عشان يقدملك على شغل فيها؟
أومأ برأسه بالموافقة و لم يغب عنه تطلع نور له..أضافت إيناس قائلة:
- خطيب نور بيشتغل هناك ممكن نبعتله "السى فى" بتاعك و ربنا يسهل
- لا مفيش داعى يعنى نحرج الراجل..
قاطعته نور قائلة:
- سيب الموضوع ده عليا..خد "الإيميل" بتاعى
أخرج هاتفه و بدأ فى كتابة "الإيميل" و عندما إنتهى، شكرها ثم ألقى التحية على إيناس، صافح نور فإنتابه شعور غير مفهوم عند ملامسته ليدها و تطلع إلى عيناها اللتان إرتجفتا لثانية و قال:
- متشكر أوى يا نور..و فرصة سعيدة
أجابته فى إبتسامة مرتبكة:
- على إيه أنا معملتش حاجة..فرصة سعيدة

بعد مرور يومين تلقى زياد أتصال من رقم غير مُسجل لديه فأجاب فى تساؤل:
- آلو
- آيوا..زياد؟
- آيوا..مين معايا
- أنا نور صاحبة إيناس
إنتابه قليل من الدهشة و التساؤل لهذة المكالمة لكنه تجاوزهما قائلاً بنبرة مرحبة:
-إزيك يا نور..إيه الأخبار
ردت فى نبرة تشوبها الإبسام قائلة:
- تمام..تمام..بص مش هعطلك هو سؤال سريع عن حاجة فى "السى فى" اللى أنت بعتهولى
أكملت المكالمة فى شىء من الرسمية و فعل هو المثل ثم شكرها فى نهاية المكالمة على مساعدتها له ليحيب بعدها على الإتصال الآخر الذى كان يلح عليه فى نفس الوقت قائلاً:
- آلو
- أزيك يا زياد أيه الأخبار
- تمام..أنتى عامله إيه
- كويسة..إيه كنت بتكلم مين؟
- إيه يا دينا جو التحقيق ده !!
ردت دينا فى شىء من العصبية قائلة:
- إيه المشكلة لما أسألك..أظن ده من حقى بما إنى خطيبتك..بعدين ما أنت كمان بتعمل كده و مش بشوفه على أنه تحقيق
- معلش يا ستى..حقك عليا
أخبرها عن مكالمة نور بكل صراحة و تعجبت و شاركها آيضاً ذلك أن خطيب نور لم يقم هو بذلك الإتصال، برر زياد هذا بأنه يرجع أنه لا يوجد معرفة سابقة بينهما بينما أنه قابل نور من قبل،

فى المساء أمسك زياد بهاتفه و أرسل لنور رسالة يشكرها على تعاونها، ردت عليه مباشرة مؤكدة أنه لا داعى للشكر و أن هذا أمر بسيط...تبعت ذلك برسالة بأنه فى حين قبولة فى تلك الشركة ستحصل على نسبة من راتبه..رد عليها بأنه قد تبين الآن أنها تفعل ذلك من أجل المال..فردت مؤكدة ذلك و علامة إبتسامة ماكرة،
ظلت الرسائل تتبادل بينهما..إقتصرت فى البداية على المزاح ثم تطورت إلى بعض الأسئلة العامة يتعارفوا بها على بعضهم دون الخوض فى أى تفاصيل شخصية..إستمر هذا التبادل لما يقرب الساعة و النصف،
ثم تطور الإتصال بينهما فيما بعد ما بين تلك الرسائل إلى المكالمات التليفونية..كانت المحادثات بينهما تسير بسلاسة..لا يشعران بالملل منها أبدأً..يشعر كلاهما أنهما يعرفان بعضهما البعض من زمن،
حكى لها عن خطيبته و أنه عندما تزوج تقريباً كل من أصدقائه بدأ ينتابه الشعور بأنه قد حان الوقت لإيجاد شريكة لحياته و أن خطيبته تتمتع بكل المميزات الرائعة التى تجعل منها زوجة مناسبة،
حكت له بدورها عن خطيبها و أنهم كانا على علاقة منذ الجامعة، و كان هو أول علاقة لها و فيما يبدو أنها ستكون الأخيرة،
كانا يؤكدان دوماً بشكل أو بأخر فى كل محادثة على أنهم أصدقاء و أن كل ما يدور بينهما يقع تحت مظلة الصداقة، و لكن كم من مشاعر الحب إختبأت تحت مسمى الصداقة كالنار التى تختبىء تحت الرماد..لا تراها لكن إذا إقتربت منها لشعرت بحرارتها،

جاء يوم كان كل منهما سيقابل صديقتهما المشتركة إيناس..ذهب زياد و معه خطيبته دينا و ذهبت نور و معها خطيبها طارق، كان هناك العديد من الأصدقاء و الصديقات و كان الجميع يتكلمون بصوت عال و يتبادلون المزاح،
فقط نور و زياد هما من بدا عليهما أنهم فى حالة من الشرود أو الصمت، لقد تجلت الحقيقة واضحة الآن أمامهما كالشمس فلسعتهما بحرارتها..لقد تلاقت أوراحهما و تحابت..منذ أول لقاء..ثم قام كل منهما بتدعيم ذلك مندفعين وراء مشاعرهم دون إهتمام لتحذيرات العقل،
كانا يحكمان تثبيت قناع الصداقة فى كل مرة يدور بينهم الحديث..فبعد إرتداء الأقنعة تصبح قادراً على إظهار ما بداخلك بكل سهولة،
فى تلك الليلة غاب النوم تماماً عن كل منهما، ثم تلقى زياد رسالة منها من كلمة واحدة "صاحى؟"
إستغرق زياد فى التفكير خمسة دقائق ثم أخذ قرارة و أتصل بها..ردت فى سرعة شديدة تدل على أنها كانت فى إنتظار مكالمته،
دار الحديث بينهما مختلفاً تلك المرة..حذراً..مرتبكاً..خافتاً..لقد باح كل منهما للآخر بمشاعرة دون أن يتفوها بأى كلمة..و عندما طال الملل و التوتر فى المكالمة سارعت نور لإنهاء المكالمة لكن زياد أوقفها قائلاً:
- نور
ردت فى ترقب و أنفاسها تتسارع:
- آيوا
إلتقط زياد نفساً عميقاُ ثم قال:
- أنتى مش شايفة إن إحنا كدة بنضحك على نفسنا؟
كانت نور على مقدرة أن تسمع دقات قلبها واضحه كقرع الطبول لكنها أصرت على الإنكار قائلة:
- مش فاهمة؟
صمت زياد للحظة ليقرر عقلة أن ينهى المكالمة هنا أم يقرر قلبة أن يكمل الطريق إلى النهاية..ثم قال:
- لا أنتى فاهمة كويس يا نور..و حاسة باللى أنا حاسس بيه..و حسيتى بنفس اللى أنا حسيت بيه النهاردة
ردت نور و نبرات صوتها توحى بالإختناق و بدأ نوبة من البكاء:
- زياد..أنا و أنت عارفبن كويس أوى إن إحنا مينفعش نبقى حاجة غير صحاب..أنت خاطب و أنا مخطوبة
- تفتكرى إحنا مينفعش؟ مش يمكن إحنا ما إخترناش صح؟ مش يمكن الصح أن نكون مع بعض؟ مش كل حاجة بتحصل لسبب؟ مش يمكن مقابلتنا عند إيناس و موضوع الشغل كانوا الأسباب اللى خلتنا نعرف بعض و نعرف أن اللى إحنا معاهم مش هما دول نصنا التانى؟
- و يا ترى هما ذنبهم إيه؟ بعد ما إتعلقوا بينا و رتبوا حياتهم على أنهم يبقوا معانا..فنيجى إحنا نقولهم لأ معلش ده طلع إن إحنا كنا مختارين غلط!!
- تفتكرى مش ده أحسن ليهم بدل ما يعيشوا مع حد طول عمرهم و قلبه و عقله مع حد تانى؟
- ده مش هيحصل يا زياد..الوقت هيعدى و هننسى كل الكلام ده
- محدش بينسى حد دخل قلبه بجد يا نور..القلوب بتحب بعض مش عشان سبب معين..ده إنجذاب كدة مش مفهوم..مش حاجة إحنا بنعملها بمزاجنا..دى حاجة بتحصلنا
بدأت آثار البكاء تسيطر على نبرة نور و هى تجيب:
- مش كل حاجة بتحصلنا بنسيب نفسنا ليها..يعنى أنت لو جالك دور برد هتسيب نفسك لحد ما تموت؟ أكيد هتعالج نفسك..يبقى إحنا بس محتاجين نتعالج مش أكتر
تنهد زياد ثم قال:
- لو كان فى دوا للحب كان زمان أصحاب الصيدليات بقوا أغنى ناس فى العالم
- فى يا زياد..دوا الحب هو الوقت..إحنا عندنا كبشر حاجة إسمها النسيان..حتى لو فضلنا فى عقل بعض بس قلوبنا هتنسى..لو ده جرح..فبعد شوية هيفضل سايب علامة تفكرنا لكن مش هيوجعنا
- للأسف مش قادر أعترض على كلامك..بس..مش عارف أعمل إيه
- بعد إذنك يا زياد أنا لازم أقفل
لم يعارضها حيث أنه كان فى حاجة ماسة لهذا أيضاً و أنهيا المكالمة،
 إذا أتيحت لنا الفرصة أن نضع صورة كل منهما الآن بجانب بعضهما سنجد نفس الصورة، كلاهما يشعران بضيق فى التنفس..ألم و برودة فى أعلى المعدة..عقلهما يكاد أن يقفز خارج رأسهما من كثرة التفكير،
هل من المفترض أن نتخلى عن من قمنا بأختيارهم بمحض إرادتنا لمجرد إعتقادنا بأننا قابلنا حبنا الحقيقى؟ كيف لنا أن نتأكد من هذا الحب و أنها ليست مجرد مشاعر إنجذاب غرائزية ستختفى بعد وقت قصير؟ هل من العدل أن نترك آخرين يتعلقوا بنا ثم نتخلى عنهم لتحقيق سعادتنا الشخصية؟ هل نمضى حياتنا مع أشخاص آخرين لمجرد أنهم مناسبين أو إننا إعتدنا وجودهم فى حياتنا و يكون هذا الإختيار الصائب لننعم بحياة هادئة؟ هل ستكون الحالة مأساوية إذا تخلينا عن من إخترنا من قبل فى سبيل من أحببنا من بعد؟

إلتقط كل منهما هاتفة..قام بالإتصال..وضع الهاتف على أُذنه فى إنتظار الرد.