الأحد، 12 أكتوبر 2014

لو جالك دور برد

- حاضر..حاضر..مش هتأخر كالعادة..سلام
أنهى مكالمته بإبتسامة و بتلك العبارة مع صديقة الطفولة التى كانت تدعوه لحفل عيد ميلاد زوجها الذى كانا سيقيمونه فى منزلهما، إتجه إلى منزله لتبديل ثيابه ثم ذهب إلى إحدى محلات الحلوى ليشترى كعكة لتكون الهدية التى يقدمها ثم إتجه إلى الحفل،

كان الحفل بسيط..ضم مجموعة من أصدقائهما المُقربين..تبادل الجميع الأحاديث و المزاح و الأخبار فى جو هادىء ملىء بالمرح و السعادة،
إتجه إلى الشرفة ليجيب مكالمة هاتفية و هو ينهى المكالمة فوجىء بصوت من خلفه يقول:
- ايه ده..أنا أسفة
إلتفت إلى صاحبة الصوت..كانت إحدى المدعوات لكنه لا يعرفها..إبتسم بهدوء و قال:
- لا مفيش مشكلة أنا خلصت تيليفون خلاص
بادلته الإبتسام و دلفت إلى الشرفة و وقف كلاهما يتطلع إلى الطريق الهادىء يغلفهم هذا الصمت المزعج، ثم قطعت هى الصمت بالحديث الأكثر تداولاً للخلاص من هذا الإحراج قائلة:
- أصل الجو جوه حر أوى
وجد الخلاص من هذا الصمت فى جملتها فأجاب مُسرعاً:
- حقيقى..مع إن الجو مش حر أصلاً
- يتهيئلى عشان الشقة دى قابلة
نظر إليها مبتسماً و قال:
- قابلة؟!! يعنى إيه الكلمة دى؟!
شعرت من إبتسامته أنها ربما تكون مخطئه فأجابت فى تردد:
- قابلة..يعنى حر..عكس بحرى
أطلق ضحكة خفيفة فصح توقعها أنها مخطئه فتورد وجهها بحُمرة الخجل ثم أنقذها من خجلها قائلاً:
- طيب هى إسمها بحرى..يبقى عكسها أكيد على نفس الوزن..بحرى عكسها يبقى قبلى
- أه تصدق كدة لايقة أكتر..غريبة أن محدش قبل كدة نبهنى أن الكلمة دى غلط
- أكيد كانوا بيستغلوا الفرصة عشان يقعدوا يتريقوا و يهزروا
- ده أنا هبلدهم على الموضوع ده..إزاى يسيبونى كدة
ثم إلتفتت إليه قائلة بوجه تصنعت فيه الجدية:
- شكراً يا فندم على حُسن تعاونك..مش هننسالك مساهمتك فى إنقاذ الوطن
ضحك لدعابتها و تطلع لها فى نظرة متفحصة بعض الشىء فرفعت يدها اليمنى لتعدل من شعرها فى حركة لا إرادية فالتمع تحت ضوء مصباح الشرفة خاتم الخطبة فى بنصرها،
ساد الصمت مرة أخرى و تطلع كلاهما إلى الفراغ، قطعته هى مرة أخرى متسائلة:
- أنت بقى صاحب هشام؟
- لا..أنا صاحب إيناس..إحنا صحاب من و إحنا عيال صغيرين
- إيه ده..يبقى أنت زياد؟
- بالظبط كده..عرفتى منين؟
- ما إيناس بتجيب سيرتك على طول و بتقول عليك أخوها
- ده حقيقى..لأن هى كمان أختى
حاول الصمت أن يسود مرة أخرى لكن قاطعه هو متسائلاً:
- أنتى صاحبة مين فيهم؟
- أنا نور صاحبة إيناس من الشغل
- فرصة سعيدة يا نور
- أنا أسعد
نادت عليهما إيناس فى تلك اللحظة لينضموا إليهم، كان الجميع يجلسون يتبادلون العديد من الأحاديث و كانت مشاركات زياد محدودة للغاية على عكس نور التى تكاد لا تتوقف عن الكلام و المزاح و التعليق،
و فى إحدى المناقشات إلتفت هشام إلى زياد قائلاً:
- أنت أيه رأيك يا زوز؟
أجاب زياد فى هدوء و نبرته التى تشبه الهمس:
- ما تستهونش بقوة التعود..العادة ممكن تخلينا نعمل حاجات كتير مش بنحبها لكن عشان إتعودنا عليها بقت واقع بالنسبة لنا
فى تلك اللحظة لمح نور فى الجهة المقابلة كانت تنصت له بإهتمام و إنعقد حاجباها بعدها و شردت بعيداً عنهم،

قبل أن ينصرف الجميع كانت إيناس تتحدث مع نور ثم نادت على زياد لينضم إليهما و قالت:
- زوز..مش أنت كنت عايز حد فى شركة ..... عشان يقدملك على شغل فيها؟
أومأ برأسه بالموافقة و لم يغب عنه تطلع نور له..أضافت إيناس قائلة:
- خطيب نور بيشتغل هناك ممكن نبعتله "السى فى" بتاعك و ربنا يسهل
- لا مفيش داعى يعنى نحرج الراجل..
قاطعته نور قائلة:
- سيب الموضوع ده عليا..خد "الإيميل" بتاعى
أخرج هاتفه و بدأ فى كتابة "الإيميل" و عندما إنتهى، شكرها ثم ألقى التحية على إيناس، صافح نور فإنتابه شعور غير مفهوم عند ملامسته ليدها و تطلع إلى عيناها اللتان إرتجفتا لثانية و قال:
- متشكر أوى يا نور..و فرصة سعيدة
أجابته فى إبتسامة مرتبكة:
- على إيه أنا معملتش حاجة..فرصة سعيدة

بعد مرور يومين تلقى زياد أتصال من رقم غير مُسجل لديه فأجاب فى تساؤل:
- آلو
- آيوا..زياد؟
- آيوا..مين معايا
- أنا نور صاحبة إيناس
إنتابه قليل من الدهشة و التساؤل لهذة المكالمة لكنه تجاوزهما قائلاً بنبرة مرحبة:
-إزيك يا نور..إيه الأخبار
ردت فى نبرة تشوبها الإبسام قائلة:
- تمام..تمام..بص مش هعطلك هو سؤال سريع عن حاجة فى "السى فى" اللى أنت بعتهولى
أكملت المكالمة فى شىء من الرسمية و فعل هو المثل ثم شكرها فى نهاية المكالمة على مساعدتها له ليحيب بعدها على الإتصال الآخر الذى كان يلح عليه فى نفس الوقت قائلاً:
- آلو
- أزيك يا زياد أيه الأخبار
- تمام..أنتى عامله إيه
- كويسة..إيه كنت بتكلم مين؟
- إيه يا دينا جو التحقيق ده !!
ردت دينا فى شىء من العصبية قائلة:
- إيه المشكلة لما أسألك..أظن ده من حقى بما إنى خطيبتك..بعدين ما أنت كمان بتعمل كده و مش بشوفه على أنه تحقيق
- معلش يا ستى..حقك عليا
أخبرها عن مكالمة نور بكل صراحة و تعجبت و شاركها آيضاً ذلك أن خطيب نور لم يقم هو بذلك الإتصال، برر زياد هذا بأنه يرجع أنه لا يوجد معرفة سابقة بينهما بينما أنه قابل نور من قبل،

فى المساء أمسك زياد بهاتفه و أرسل لنور رسالة يشكرها على تعاونها، ردت عليه مباشرة مؤكدة أنه لا داعى للشكر و أن هذا أمر بسيط...تبعت ذلك برسالة بأنه فى حين قبولة فى تلك الشركة ستحصل على نسبة من راتبه..رد عليها بأنه قد تبين الآن أنها تفعل ذلك من أجل المال..فردت مؤكدة ذلك و علامة إبتسامة ماكرة،
ظلت الرسائل تتبادل بينهما..إقتصرت فى البداية على المزاح ثم تطورت إلى بعض الأسئلة العامة يتعارفوا بها على بعضهم دون الخوض فى أى تفاصيل شخصية..إستمر هذا التبادل لما يقرب الساعة و النصف،
ثم تطور الإتصال بينهما فيما بعد ما بين تلك الرسائل إلى المكالمات التليفونية..كانت المحادثات بينهما تسير بسلاسة..لا يشعران بالملل منها أبدأً..يشعر كلاهما أنهما يعرفان بعضهما البعض من زمن،
حكى لها عن خطيبته و أنه عندما تزوج تقريباً كل من أصدقائه بدأ ينتابه الشعور بأنه قد حان الوقت لإيجاد شريكة لحياته و أن خطيبته تتمتع بكل المميزات الرائعة التى تجعل منها زوجة مناسبة،
حكت له بدورها عن خطيبها و أنهم كانا على علاقة منذ الجامعة، و كان هو أول علاقة لها و فيما يبدو أنها ستكون الأخيرة،
كانا يؤكدان دوماً بشكل أو بأخر فى كل محادثة على أنهم أصدقاء و أن كل ما يدور بينهما يقع تحت مظلة الصداقة، و لكن كم من مشاعر الحب إختبأت تحت مسمى الصداقة كالنار التى تختبىء تحت الرماد..لا تراها لكن إذا إقتربت منها لشعرت بحرارتها،

جاء يوم كان كل منهما سيقابل صديقتهما المشتركة إيناس..ذهب زياد و معه خطيبته دينا و ذهبت نور و معها خطيبها طارق، كان هناك العديد من الأصدقاء و الصديقات و كان الجميع يتكلمون بصوت عال و يتبادلون المزاح،
فقط نور و زياد هما من بدا عليهما أنهم فى حالة من الشرود أو الصمت، لقد تجلت الحقيقة واضحة الآن أمامهما كالشمس فلسعتهما بحرارتها..لقد تلاقت أوراحهما و تحابت..منذ أول لقاء..ثم قام كل منهما بتدعيم ذلك مندفعين وراء مشاعرهم دون إهتمام لتحذيرات العقل،
كانا يحكمان تثبيت قناع الصداقة فى كل مرة يدور بينهم الحديث..فبعد إرتداء الأقنعة تصبح قادراً على إظهار ما بداخلك بكل سهولة،
فى تلك الليلة غاب النوم تماماً عن كل منهما، ثم تلقى زياد رسالة منها من كلمة واحدة "صاحى؟"
إستغرق زياد فى التفكير خمسة دقائق ثم أخذ قرارة و أتصل بها..ردت فى سرعة شديدة تدل على أنها كانت فى إنتظار مكالمته،
دار الحديث بينهما مختلفاً تلك المرة..حذراً..مرتبكاً..خافتاً..لقد باح كل منهما للآخر بمشاعرة دون أن يتفوها بأى كلمة..و عندما طال الملل و التوتر فى المكالمة سارعت نور لإنهاء المكالمة لكن زياد أوقفها قائلاً:
- نور
ردت فى ترقب و أنفاسها تتسارع:
- آيوا
إلتقط زياد نفساً عميقاُ ثم قال:
- أنتى مش شايفة إن إحنا كدة بنضحك على نفسنا؟
كانت نور على مقدرة أن تسمع دقات قلبها واضحه كقرع الطبول لكنها أصرت على الإنكار قائلة:
- مش فاهمة؟
صمت زياد للحظة ليقرر عقلة أن ينهى المكالمة هنا أم يقرر قلبة أن يكمل الطريق إلى النهاية..ثم قال:
- لا أنتى فاهمة كويس يا نور..و حاسة باللى أنا حاسس بيه..و حسيتى بنفس اللى أنا حسيت بيه النهاردة
ردت نور و نبرات صوتها توحى بالإختناق و بدأ نوبة من البكاء:
- زياد..أنا و أنت عارفبن كويس أوى إن إحنا مينفعش نبقى حاجة غير صحاب..أنت خاطب و أنا مخطوبة
- تفتكرى إحنا مينفعش؟ مش يمكن إحنا ما إخترناش صح؟ مش يمكن الصح أن نكون مع بعض؟ مش كل حاجة بتحصل لسبب؟ مش يمكن مقابلتنا عند إيناس و موضوع الشغل كانوا الأسباب اللى خلتنا نعرف بعض و نعرف أن اللى إحنا معاهم مش هما دول نصنا التانى؟
- و يا ترى هما ذنبهم إيه؟ بعد ما إتعلقوا بينا و رتبوا حياتهم على أنهم يبقوا معانا..فنيجى إحنا نقولهم لأ معلش ده طلع إن إحنا كنا مختارين غلط!!
- تفتكرى مش ده أحسن ليهم بدل ما يعيشوا مع حد طول عمرهم و قلبه و عقله مع حد تانى؟
- ده مش هيحصل يا زياد..الوقت هيعدى و هننسى كل الكلام ده
- محدش بينسى حد دخل قلبه بجد يا نور..القلوب بتحب بعض مش عشان سبب معين..ده إنجذاب كدة مش مفهوم..مش حاجة إحنا بنعملها بمزاجنا..دى حاجة بتحصلنا
بدأت آثار البكاء تسيطر على نبرة نور و هى تجيب:
- مش كل حاجة بتحصلنا بنسيب نفسنا ليها..يعنى أنت لو جالك دور برد هتسيب نفسك لحد ما تموت؟ أكيد هتعالج نفسك..يبقى إحنا بس محتاجين نتعالج مش أكتر
تنهد زياد ثم قال:
- لو كان فى دوا للحب كان زمان أصحاب الصيدليات بقوا أغنى ناس فى العالم
- فى يا زياد..دوا الحب هو الوقت..إحنا عندنا كبشر حاجة إسمها النسيان..حتى لو فضلنا فى عقل بعض بس قلوبنا هتنسى..لو ده جرح..فبعد شوية هيفضل سايب علامة تفكرنا لكن مش هيوجعنا
- للأسف مش قادر أعترض على كلامك..بس..مش عارف أعمل إيه
- بعد إذنك يا زياد أنا لازم أقفل
لم يعارضها حيث أنه كان فى حاجة ماسة لهذا أيضاً و أنهيا المكالمة،
 إذا أتيحت لنا الفرصة أن نضع صورة كل منهما الآن بجانب بعضهما سنجد نفس الصورة، كلاهما يشعران بضيق فى التنفس..ألم و برودة فى أعلى المعدة..عقلهما يكاد أن يقفز خارج رأسهما من كثرة التفكير،
هل من المفترض أن نتخلى عن من قمنا بأختيارهم بمحض إرادتنا لمجرد إعتقادنا بأننا قابلنا حبنا الحقيقى؟ كيف لنا أن نتأكد من هذا الحب و أنها ليست مجرد مشاعر إنجذاب غرائزية ستختفى بعد وقت قصير؟ هل من العدل أن نترك آخرين يتعلقوا بنا ثم نتخلى عنهم لتحقيق سعادتنا الشخصية؟ هل نمضى حياتنا مع أشخاص آخرين لمجرد أنهم مناسبين أو إننا إعتدنا وجودهم فى حياتنا و يكون هذا الإختيار الصائب لننعم بحياة هادئة؟ هل ستكون الحالة مأساوية إذا تخلينا عن من إخترنا من قبل فى سبيل من أحببنا من بعد؟

إلتقط كل منهما هاتفة..قام بالإتصال..وضع الهاتف على أُذنه فى إنتظار الرد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق