الأحد، 24 أغسطس 2014

عندما تتفتح الأزهار

تدافع .. تزاحم .. همهمات .. حوارات .. تأملات،
كان هذا هو الحال حولها .. تهافت الجميع من مختلف الفئات سعياً إليها،

كانت زهرة جديدة قد نبتت و تفتحت بين غيرها من الزهور، أوراقها ناعمه .. لكنها قوية .. ألوانها رقيقة .. لكنها ملفتة .. ساقها مائل .. لكنها محتفظة بثباتها،
كلما أقترب جمع منها وقفوا يتأملونها فى صمت بينما عيونهم تبوح بالكثير من الكلمات الغير منطوقة، ثم يبتعدون ليأخذ غيرهم مكانهم بينما يبدأ المبتعدون فى التناقش حولها،

كانوا يبعدون بالمسافة الكافية لتسمع نقاشهم .. فإذا بأحدهم قائلاً:
 - يا لها من زهرة جميلة .. سيكون محظوظ من يحصل عليها
فيرد آخر فى حماس:
 - على الرغم من انى رأيت مثلها .. إلا أن هذة جمالها مختلف
فيقول ثالث بابتسامة هادئة:
 - ما شاء الله الذى أبدع فى خلقه
تداعب كلمات الإعجاب مشاعرها .. يختلج لها قلبها .. فتشوب حُمرة الخجل أوراقها .. فيزداد جمالها .. فتنطلق آهات الإعجاب من حولها .. فتروى سعادتها،
و زادت الأعداد .. و كثرت المناقشات .. فقال قائلاً:
 - هى بالفعل من أجمل ما رأيت .. لكنها من الممكن أن تكون أجمل .. إذا أظهرت الوانها اكثر و تفتحت أوراقها قليلاً
فانطلقت العديد من الأصوات المؤيدة .. فما كان منها إلا أن جائت فى اليوم التالى صارخة الألوان .. متفتحة الأوراق عن آخرها .. يتمايل ساقها ذات اليمين و ذات الشمال،

فهلل الكثيرون و زاد انبهارهم .. لكن فجأة انطلق صوت صائحاً:
 - ماذا هى بفاعلة؟! .. لقد كشفت عن كل جمالها و جعلته متاع للناظرين .. لقد أصبحت مصدر إلهاء للأجمعين .. أليس من المفترض أن تكون من الأزهار المحافظين؟!
فسادت الهمهمة بين الحاضرين و ارتفع صوت المؤيديين و توارت أصوات المعارضيين،
انتابها الضيق و شعرت انها اقترفت ذنب مبين .. فجائت اليوم الذى يليه .. بكل الوان الحذريين .. صبغت بها وريقاتها ليصبحوا قاتمين .. و أغلقتهم فى تشدد متين،
أشاد الكثيرون بهذا التصرف الحكيم و بقدرتها على درء كل شهوانى لئيم،

ثم وصل الى مسامعها مناقشة جمع آخر يقولون:
 - هذا تصرف رائع منها .. بارك الله فيها
 - لكنها الآن أصبحت زهرة عادية .. تشبه آلاف الزهور
 - لا يهم .. ساقتطفها و أضعها فى منزلى .. و يكون لى مطلق الحرية فى مظهرها
 - بل يجب أن تكون فى حوزة كل منا لبعض الوقت لنتمتع جميعاً بها
 - كل هذا خطأ .. الزهور مكانها محلات الزهور حيث يتم الاعتناء بمظهرها .. ثم يأتى    الشارى الذى يدفع كل غالى و نفيس فيحصل عليها و بذلك يكون أمن لها الحماية

طالت المناقشات .. تكاثرت الآراء .. تعددت الأحكام .. ثم انصرف الجميع .. هبط الليل بسكونه .. القى القمر بنوره على أوراقها .. فالتمعت قطرات الندى الممزوجه بدموعها،
شعرت بها زهرة مجاورة .. فمالت بساقها صوبها .. و سألتها:
 - ما الذى أقلق راحتك و ضغط على أحزانك فأفرزت دموعك؟
أجابتها فى حزن:
 - لقد سعيت لإرضاء الجميع .. و كلما أرضيت البعض .. جاء الآخرون معترضيين .. و فى نهاية المطاف .. أصدر الجميع حكمه بأنى كنت من المقصريين
فسألتها الزهرة الأخرى:
 - و انتى ماذا حكمك على نفسك؟
صمتت الزهرة مرتبكة .. لم تفكر فى ذلك الأمر .. فأكملت الزهرة الآخرى قائله:
 - فى يوم ما .. كنت زهرة جميلة مثلك .. محط أنظار الجميع .. جاء من جاء .. أبدوا الآراء .. أطلقوا الأحكام .. أعلن منهم رغبته فى تملكى .. و آخرون أكدوا على وجوب تملكى لآخر،

فما كان منى إلا انى عملت جاهدة على إرضاء الجميع .. فتشتت أفكارى .. ضاعت أحلامى .. فقدت ثقتى فى نفسى .. أصبحت كالريشه التى تتقاذفها رياح رغبات الآخرين .. تحولت روحى الى مسخ .. يشبه آلاف المسوخ التى تحيط بنا .. و حتى عندما صرت مثل الآخرين .. أتهمونى بأنى لا فرق بينى و بين الأجمعين، و ها أنا تعيسه .. متوارية .. فشلت فى إرضاء الآخرين .. و فشلت فى إرضاء نفسى،

إننا ننشغل بإرضاء الآخريين كى ننال محبتهم .. مع أننا إن لم نحب أنفسنا .. فكيف للآخرين أن يحبوها،

لا تلقى بالاً لكل لكل من يريد القاء نظرة على أوراقك .. يخطف نفحه من عبير رحيقك .. يتغزل فى جمال تمايل ساقك،
إنهم لن يتوقفوا عن إصدار الأحكام التى تتخفى تحتها نواقصهم و رغباتهم و احلامهم الضائعه و عجزهم و أطماعهم بل و شهواتهم .. الجميع يسعى الى ضمك الى آنية زهوره الخاصه حتى لا تختلفى فتثيرى أعاصير القلق فى جنبات أفكاره و تنقصى من شأنه اما نفسه,

اهتمى بجوهرك .. إرعى رحيقك الذى هو أساس حياتك و منبع عطائك .. إغرسى ساقك قويةً فى الأرض .. فلا يقدر على اقتطافك إلا من يستحقك،

ردت عليها الزهرة فى إرتياح:
 - شكراً لكى .. لقد أثلجت كلماتك قلبى و سأعمل بنصائحك فى الحال

ثم تطلعت الى ضوء القمر و هى تفكر كيف سترضى نفسها و تهتم بجوهرها حتى تنال رضا الآخريين !!

هناك تعليق واحد: