الأحد، 7 أغسطس 2016

مستنيين دورنا

-أهلاً و سهلاً، نورتنا يا فندم، كام فرد؟
بإبتسامة مدروسة قال موظف الإستقبال على باب المطعم، نوع من الإبتسامات الذي لا تستطيع إلا أن تردها بإبتسامة مصطنعة، قال أحمد:
-مساء الخير، عايزين مكان ل6 أفراد
-Smoking ولا non-smoking يا فندم؟
-Smoking
لحظة واحدة معايا يا فندم
غاب الرجل داخل المطعم فإلتفت أحمد إلى الباقيين، كانوا يقفون على مبعدة منه يتبادلون الحديث و يضحكون كثيراً، مرتاحيين البال حيث هناك من يتحمل عنهم المسؤلية.
عاد موظف الإستقبال بنفس الإبتسامة التي تشعر معها إنه لا يتخلص منها حتى و هو نائم، قال:
-أنا أسف يا فندم هو مفيش مكان حالياً، بس حضرتك ممكن تستنى معانا لحد ما حاجة تفضى
-أستنى وقت قد إيه؟
-مقدرش أحدد لحضرتك بالظبط، بس مش كتير إن شاء الله
شعر أحمد بالحنق و كان يود أن يصرخ به هل تعاني من خلل ما؟! كيف لا تستطيع تحديد الوقت ثم تؤكد إنه ليس بالكثير؟! بمجرد ربط إسم الله بأى شىء يجعلهم يعتقدون أنهم متحكمين في الحياة.
تنهد أحمد و ألقى نظرة على الباقيين، مازالوا منهمكين في أحاديثهم كما لو كانوا نسيوا وجوده، لم يحاول أن يسألهم، عندما تشعر بعدم الإكتراث تبدأ في إتخاذ القرارات التي توافق أهوائك فقط، رد على رجل الإستقبال و قال:
-خلاص هنستنى
-تحت أمرك يا فندم، ممكن بس الأسم و رقم الموبايل
أعطاه أحمد بياناته و عاد للباقيين الذين لم يوقفهم قدومه عن الحديث، بعد دقيقتان، إلتفتت سارة له قائلة:
-إيه يا حبيبي، عملت إيه؟
رد أحمد بنبرة معاتبة ساخرة و قال:
-كنت بشوف مكان عقبال ما حضراتكم تبطلوا ضحك
رد هشام بإبتسامة عريضة قائلاً:
-يا عم عشان أنت أحسن واحد في الحاجات دي
تطلع له أحمد دون رد، فتلك العبارات تؤدي غرض من إثنين، الإحساس بالتميز بسبب المديح أو الإحساس بالتقزز بسبب النفاق، و الحالتين يتبعهم صمت.
إلتفتت خديجة له قائلة:
-معلش يا أحمد إحنا سرحنا في الكلام و محدش فينا خد باله يجي معاك يشوف إيه الأخبار
تغيرت نظرة أحمد المعاتبة إلى نظرة إمتنان تطلع بها إلى خديجة، للمصارحة و التقدير مفعول سحري على النفوس.
لم يغب عن سارة نظرة السعادة في عينان خديجة لنجاحها في إحتواء غضب أحمد، لذا وجب التدخل السريع الفعال لقطع خيط التواصل الذي على وشك أن يتكون، فوضعت يدها على كتف أحمد، إقتربت بفمها من أذنه و تعمدت لصق منحنيات جسدها بجسده و زادت من نعومة صوتها الهامس في أذنه فإرتسمت إبتسامة على وجهه ثم تحولت لضحكة، بمجرد إبتعاد سارة عنه شد من قوامه شاعراً برجولته بينما سارة ترمق خديجة بنظرة إنتصار، من أسها الأشياء على المرأة أن تنتصر على أخرى في جذب رجل لها، يعتمد فقط على مقدار ما هي على إستعداد أن تقدمه له.
إبتلعت خديجة ريقها ربما خجلاً أو حسرةً أو مزيج من الإثنين، لا يستطيع أحد التكهن بما يدور في قلوب النساء، حتى هن أنفسهم لا يعرفون.
كاد الصمت المتوتر أن يخيم على الجميع لكن قاطعه هشام قائلاً:
-طيب مقالش في مكان هيفضى إمتى؟
-قالي مش عارف بس مش كتير
سأل رامي:
-طيب نروح نشوف مكان تاني؟
ردت خديجة:
-أنا معنديش مشكلة نستنى أو نشوف مكان تاني
قالت هند:
نستنى و خلاص بقى، لسه هنقعد نركب العربيات و ندور على مكان تاني
قالت سارة ممازحة هند:
-يا بنتي كفاية كسل، أنا حاسة لو قعدنا كام يوم ما نكلمكيش هنلاقيكي ما إتحركتيش من على نفس الكرسي في البيت
ردت هند بعفوية قائلة:
-لأ طبعاً، أكيد هقوم يعني عشان أخش الحمام
ضحك الجميع عالياً على ردها، عدم تعمد الفكاهة و التلقائية هما الفرشاة و الألوان الأصدق لرسم الضحك على الوجوه.
أصدر هاتف رامي رنين، تطلع لأسم المتصل فإرتسمت إبتسامة على وجهة و رد في لهفة و هو يبتعد عنهم، كانت عينان هند تتابعه و بهما بريق غيرة، بينما قال هشام:
-كدة خلاص يا جماعة رامي ممكن يستنى عادي
تبادلوا النظرات و الإبتسامات ما بين إبتسامة صادقة لأخرى مسايرة للجو العام ما عدا إبتسامة هند، الإبتسامة التي يجب أن تنتزعها من بين آلامك فتجرح قلبك جرح لا يظهر إلا في العيون.
فجأة دوى صوت هائل لإحتكاك إطارات سيارتين بالطريق بسبب الفرامل العنيفة و كانا على وشك الإصتطدام لكن فصلت بضعة سنتيمترات بينهما، ما أتفه الأشياء القادرة على إبعادنا عن المصائب.
نزل كل من قائدي السيارتين لتبدأ نوبة من الصياح لفريغ شحنة الخوف و التوتر، فالإنسان أجبن من أن يعترف بإنه خائف، ثم تطورت لتبادل الإتهامات بمن المخطىء، النزعة الأزلية لتبرئة النفس كما لو كنا ملائكة و لسنا بشر خطائيين.
وصل سبعة أفراد تحدثوا مع موظف الإستقبال بنفس إبتسامته المدروسة ثم دخلوا إلى المطعم فوراً، فما كان من أحمد إلا أن إلتفت غاضباً و إتجه إلى موظف الإستقبال و بنبرة حادة قال:
-إحنا كنا قبل الناس إللي دخلت دي
-حضرتك يا فندم الناس دي عاملة حجز
-إزاي؟! مش إنتوا المفروض مفيش عندكوا حجوزات؟
-حقيقي يا فندم بس دول واخدين إستثناء من صاحب المكان
-يعني أنا لازم أبقى معرفة صاحب المكان عشان أعرف أدخل!!
-حضرتك تنور في أي وقت بس دي حاجة إستثنائية جداً، بعتذر مرة تانية لحضرتك
إبتعد أحمد عنه حانقاً لم يبالي حتى بسؤاله عن ما تبقى لهم من وقت، عند الشعور بأن هناك من أخذ حقك و لا تستطيع فعل شىء تجاهه يكون الهروب و اللامبالاة هما الملاذ.
عاد أحمد للباقيين مرة أخرى، كان كل من سارة و هشام منهمكين بالتطلع لهواتفهم، بينما هند و خديجة منمدمجتان في حديث عن الشعر و البشرة و رامي مازال بعيداً لم يقاطع أي شىء مكالمته و ما الذي يستطيع أن يقطع تواصل العشاق.
وصلت عند باب المطعم إمرأة تفيض بالأنوثة، ملامح وجهها و نظرات عيناها تعدان أي رجل بمتعة تجعله يدمنها بعدها، لم تكن ملابسها عارية أو ملفتة لكنها كانت كافية لتظهر مفاتن جسد قد تقام حروب من أجله كما عودنا التاريخ.
كان أحمد على وشك أن يشعل سيجارة لكنه توقف و تسمرت عيناه عليها في إنبهار و شهوة و هو يمني نفسه باليوم الذي سيترك فيه سارة و يسترد حريته مع بقية النساء، كانت سارة منهمكة لدرجة الإنعزال مع هاتفها، إنهماك حديث بين رجل و أمرأة، و بالفعل فقد لمح هشام أسم الرجل الذى تتبادل معاه الرسائل و هذا الأسم أكد ظنونه التي كانت تساوره من فترة، أما خديجة فكانت نظرتها مثبته على عينان أحمد و تتمنى أن يتطلع لها أحمد بنفس النظرة، بينما هند شاردة في إتجاه رامي تتخيل الأحاديث التي يتبادلها مع غريمتها، هشام كان يطالع كل هذا و إبتسامة إستخفاف مرسومة على وجهه مصدرها قلبه الذي عانى الخيانة يوم ما فحصن نفسه ضد المشاعرللأبد.
قطع هذا الصمت مرور رجل كهل يمشي بخطوات بطيئة محني الظهر ثم توقف أمامهم و قال:
-عدوني يا ولادي
أفسحوا له الطريق و هو يسير بنفس الخطوات البطيئة سألهم:
-أنتوا واقفين كدة ليه؟
رد هشام:
-مستنيين دورنا في المطعم يا والدي
تطلع الرجل الكهل لهم و للمطعم كما لو كان يرى الدنيا لأول مرة في حياته ثم قال:
-هي كدة، كل واحد دايماً مستني حاجة و عشان مايزهقش يقعد يدور على حاجة تانية مش عايزها
ثم إنصرف بنفس البطء تاركاً عبارته تلعب بالقلوب.
سمع أحمد موظف الإستقبال ينادي على إسمه و يشير له بأن يتفضلوا بداخل المطعم، دخل الجميع إلى المطعم و طلبوا الطعام سريعاً و تناولوا الطعام أسرع لعل كل منهم يبتلع معه ما يمتلأ به قلبه و يستطيعون هضمه.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق