الاثنين، 4 يناير 2021

سُلطة جمالها

 كانت على درجة عالية من الجمال، باتفاق الأغلبية إن لم يكن الجميع.


لم احاول التقرب منها، بالعكس، كنت أبدو أني غير مهتم من الأساس، لبعض الوقت، أترك مساحة لبقية الذكور المتسرعة الذين سيحاولون التودد لها بكافة الطرق وهي تستفيد منهم جميعاً ولا تروي قلب أي منهم حتى بقطرة مودة.


بعدما هدأت الزوبعة، قمت باستغلال صدفة لفتح مجال للحديث، بنفس اللامبالاة، مع الكثير من الغموض، واحد من أهم الأسلحة لاستفزاز فضول المرأة، ستسعى الأن بكل الطرق لكشف أسراري وهزيمة قواتي لأرفع راية الاستسلام على عتبات جمالها كالباقين.


لم استسلم، قاومت، بل تعاملت مع الأمر على انه تحد، فكنت أشد وأرخي حبل المودة، لتتملك منها الحيرة، ومن جانبها كانت تحاول بطرق حاشا لله إذا أدعى احدهم حتى الشيطان بنفسه أنه على درايه بها أو يتوقعها.


وصلنا لمفترق طرق، حيث لا سبيل سوى أن استسلم وأن ترضخ هي أو نفترق، لكننا بقرار غير مُعلن أكملنا الطريق وأخذنا خطوة تقارب أخرى.


تلك الفترة، في رأيي هي التي تشحذ إبداع الأغان والشعر والعبارات الرومانسية، الأحلام جميعها جميلة ومشروعة وتبدو سهلة التحقيق، كل من الطرفين يظهر أجمل ما فيه، حتى بدون إدعاء، لكنهما يشعران بشيء جميل فينعكس على كل شيء حولهما.


بعد فترة ليس بطويلة، لاحظت شيء، انها صعبة الارضاء للغاية، فهي تعترض طوال الوقت على كل شيء، اعتقدت في البداية أن هذا يرجع للتدليل المفرط من جانب أهلها، لكن لم أقتنع.


عندما بدأت أن أدقق في الأمر، وجدت أن للجمال سلطة، وهي تجيد استخدامها، والعجيب أن تلك السلطة تسري على الجميع، رجال ونساء، من النادر للغاية أن يرفض شخص أي شيء لهذا الجمال، وإن حدث، فغيره على استعداد لتقديم أضعافه حتى لو مقابل ابتسامة فقط منها.


بالنسبة لي، فهذا الجمال كان متاح لي طوال الوقت، لذا سلطته كانت تضعف مع الوقت، حتى أصبحت لا أمر لها عليّ ولا نهي، وأصبح فكرة تحمل عدم رضائها تعذيب مستمر، لا أطيقه.


تذكرت حبيبتي السابقة، كيف كانت أقل الأشياء تسعدها، تذكرت مرة أني أخذتها وتريضنا في الطرقات بغير هدف، وعبرنا أمام مشتل ورد، فاشتريت لها وردة واحدة، احتضنتني وقبلتني في وسط الطريق غير مباليه بالمارة المتطفلين المزعجين، بل ظلت سعيدة بضعة ايام فقط بسبب وردة، ترى كيف حالها؟ لقد كانت انسانة لطيفة.


في يوم كنا نتناول العشاء معاً، كالعادة كانت تشكو من جودة الطعام، وجعلت النادل يقوم بتغيير الطعام لها ثلاث مرات وانا متأكد أنه بصق في طعامها قبل أن يقدمه له بابتسامة عريضة مع اعتذار زائف.


تساءلت، ترى هل هي مبالغ في أمرها؟ أم هذا طبع في النساء؟ هن عكسنا، يتغير مزاجهم بسرعة جنونية ومعه تتغير متطلباتهن، بينما الرجل من الممكن أن يجلس مع أصدقائه في المقهى ثلاث ساعات ولا يحتسي سوى أربع أكواب شاي ولن يتذمر بل وسيكون سعيد.


سألتني بم أفكر؟ جاء ردي صادم أنا شخصياً لم أتخيل أن أرد بكل تلك التلقائية وأقول أفكر أن أبتعد عنكِ.


تسمرت من المفاجأة وظلت تنظر لي في استنكار وغضب، لكن لم ألمح في نظرتها حزن، ثم نظرت الناحية الأخرى وصدرها يعلو ويهبط بقوة مع تسارع انفاسها، ثم تمالكت نفسها ونظرت لي وقالت حسناً، كما تحب، أنا لن أبقى مع شخص لا يريدني، وسحبت حقيبتها وهاتفها واستعدت للرحيل، لم اتحرك من مجلسي ولم أرد عليها، نظرت لي مرة أخرى وعيناها تقول ايها الأحمق، كيف تفرط في واحدة بمثل جمالي؟! هناك العشرات ينتظرون فقط أن ألقي عليهم التحية، سوف أنتقم منك يوماً ما، ثم رحلت غاضبة.


أشعلت سيجارة ونفخت دخانها ببطء، لن أنكر أن هناك احساس لذة انتابني، أنا أعلم اني لم أكسر قلبها لأنه لم أكن في قلبها كي أكسره، لكني شعرت اني إنتقمت لكل من استخدمت سلطة جمالها عليهم من قبل، لقد كسرت شوكتها وخرجت مهزومه لأول مرة، فلتسعدوا وترتاحوا الأن.


ناديت على النادل الذي وبخته وأعطيته بقشيش ضخم ومازحته فضحك وظل يشكرني كثيراً واعتقد انه كان يراقبنا وكان سعيد بما حدث، وفي طريقي للمنزل لم أكن أفكر سوى في حبيبتي السابقة وأدركت اني أشتاق لها كثيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق