الثلاثاء، 2 يناير 2024

بوابة إلى الحقيقة

 كان في طريقه المعتاد إلى العمل، لا شيء جديد، نفس الزحام و نفس الطريق و نفس الموسيقى التي يستمع إليها و حتى نفس الأفكار. إزدحم الطريق و توقفت السيارات مما أثار حنقه إنه سيعاني زحام آخر.

فوجئ أن الجميع يتركون سيارتهم و يقفوا في الطريق و يتطلعون للسماء في دهشة، على غير عادته نزل هو الأخر و تطلع للسماء ليجد أن الشمس أصبح لها يدين و عينان و فم، و كان فمها الجديد يتحرك في عنف و تلوح بيدها فيما يبدو أنها تصيح بالجميع تهددهم و تتوعد لهم.

في نفس الوقت جائت مجموعتان من الطيور و إتخذت كل منهما شكل دائرة على يمين و يسار الشمس، و إذا بالشمس تشير بيدها نحوهما و تواصل صياحها الصامت.

جاء أحد الأشخاص وقف بجانبه و قال:

-يبدو أن الشمس قد ملت من العطاء دون مقابل و ها هي تبوح بكل ما تعانيه

تطلع له في دهشة ثم لفت إنتباهه أن الطيور تجمعت في مجموعة واحدة أمام الشمس و أخذت تصيح بقوة ثم إتخذت شكل رأس سهم و طارت مبتعدة بسرعة فوق المعتادة لها.

ساد بعدها صمت تام على الطريق، صمت غير منطقي، لا يوجد صوت حتى أصوات محركات السيارات و حركة الهواء و تنفس البشر إختفى، حتى إنه إعتقد إنه أصابه الصمم، بقي الوضع هكذا لدقيقتين، ثم صاح الجميع مهللين بالفرحة و تبادلوا الأحضان و القبلات جميعهم رجال و نساء، قام بعضهم بتشغيل أغان ذات ألحان راقصة و بدأ بعضهم يرقص و يغني و آخرون تبادلوا السجائر و الطعام و الشراب بل حتى أن البعض أشعل سجائر حشيش و أخذ الجميع يدخنونها دون تمييز.

في لحظة واحدة توقف كل هذا و عاد الجميع إلى سيارتهم و أخذ الطريق يسير من جديد بسرعته المعتادة و حتى الجميع إستعادوا وجوههم بين العابسة و المبتسمة و المتهجمة و المتعبة و الشاردة.

لم يجد ما يمكن عمله سوى العودة لسيارته و إستكمال طريقه للعمل خاصة و أن قائدي السيارات بدأوا يبدون إنزعاجهم من تعطيل الطريق دون داع.

وصل للعمل و عند باب العمل وجد ما يشبه مكان ألعاب الأطفال، كان رئيس مجلس إدارة الشركة يقوم بنفسه بتنظيم الموظفين في الألعاب، و يحرص على أن يأخذ كل منهم دوره و أن يجرب جميع الألعاب، المتناقض في الأمر هو وجوه الموظفين العابسة المرهقة.

إحتار ما بين أن يشاركهم أو يترك كل هذا و يتجه لأعلى حيث مكتبه و يباشر عمله، لكنه وجد رئيس مجلس الإدارة يشير له فتوجه نحوه فقال له:

-لا مجال للحيرة فتلك رفاهية تتاح لمن لا يتملكهم شيء، ما عليك سوى أن تستمتع بتلك الألعاب مثل الباقيين

تطلع له للحظة، سأل نفسه هل يجب عليه أن ينصاع لذلك الأمر حتى لو كان الأمر هو الحصول على بعض المرح؟ لم يكن راض عن هذا و شعر أن حتى أعذب و أجمل الأشياء في الحياة عندما نجبر عليها أو يتم دفعنا إليها فأنها تصبح ثقيلة على النفس، يبدو أن تلك هي اللحظة التي يتم فيها التمرد و التخلص من القيود، فقال:

-هل تعلم، أنا لست مثل الباقيين و لم أشعر يوما إني مثلهم، كنت أبذل مجهود قاس يوميا كي أنتمي لهم و لكن الأن قد إستفذت هذا المجهود. أنا مستقيل

ثم غادر دون أن ينتظر رد، إتجه لسيارته و بمجرد أن ركب السيارة قام أحدهم بفتح الباب المجاور له و ركبت فتاة رائعة الجمال و الأنوثة، تطلع لها في صمت منبهر، كانت تعتبر فتاة أحلامه، شعر أن كل تخيلاته تحققت أمامه، و بصوت زلزل مشاعره قالت:

-لقد كنت أنتظرك، هيا بنا لنبدأ رحلتنا

أطلق ضحكة عالية و تحرك بالسيارة، تطلعت له بإبتسامة عذبة و إلتقطت يده و إحتضنتها بين كفيها، فأرتاحت يده لملمسها الناعم و تسلل دفء المشاعر لقلبه.

وجد الطرقات شبه خالية من السيارات و السماء صافية، لم يكن يبالي إلى أين يتجه أو ما الذي سيحدث لاحقا، كان إستمتاعه الوقتي كفيل بأن ينسيه عامل الوقت.

لم ينتبه لشيئ إلا عندما وجد نفسه أمام بوابة ضخمة يقف على مدخلها أشخاص ملثمون و قصار القامة للغاية يكادوا يكونوا أقزام، يمسك كل منهم عصاة ملونة طولها ضعف طوله،  أشار له أحدهم أن يتوقف و في صوت ضخم لا يتناسب مع حجمه قال:

-إن العبور عبر تلك البوابات يلزمه الإجابة الصحيحة الصادقة، فهل أنت مستعد؟

-مستعد

-توخى الحذر لإننا نستطيع الكشف عن الكذب و الإجابة الخاطئة ستحرمك من الدخول مرة أخرى

تطلع للفتاة فأعتطه إبتسامة مشجعة و قبلة في الهواء، فأخذ نفسا عميقا و قال:

-نعم مستعد

-هذا الوعد الذي قطعته على نفسك في يوم من الأيام إنك سوف تحبها طوال حياتك، إذا كان عرضوا عليك أن تحقق حلمك في أن تظل تتنقل حول العالم في مقابل أن تتخلى عن ذاك الوعد، ماذا كان سيكون ردك؟

كان السؤال غير متوقع و يتطلب أن تكون على دراية كاملة بنفسك قبل حتى أن تكون صريح مع نفسك، توتر و أخذ ينقر على مقود السيارة و عينان الرجل القصير تتطلع له بنظرة تنفذ داخل عقله و يتطلع للفتاة التي بدأت نظراتها تملأها القلق و الترقب، لم يكن هناك مفر، لقد أصبح عبور البوابة تحدي و يجب تقبله، فأجاب في خفوت قائلا:

-كنت سأتخلى عن الوعد

ساد لحظة من الصمت، ثم تركت الفتاة يده بعنف و بدأت في البكاء و عندما حاول أن يربت عليها دفعته في قوة و نزلت من السيارة و قالت:

-يبدو أن الأنانية هي الصفة الأزلية التي لا يوجد ما يقهرها

سارت مبتعدة في غضب، بينما قاطعه الرجل القصير و قال:

-عواقب الصدق قد تكون قاسية لكن لا سبيل للحرية بدونه، البوابات مفتوحة لك الآن

تحرك بالسيارة نحو البوابات و عبرها و إختفى خلفها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق