الأربعاء، 1 نوفمبر 2023

رقصة مع الوهم

 كان موعد الحفل السنوي، كلنا في عمر المراهقة، أحلام الحب تداعبنا ومشاعرنا جاهزة لم تتقيد بعد بخيبات الأمل. لم يكن لدي حبيب، حتى لم يكن هناك رفيق أو حتى معجب، كيف يحدث هذا وأنا يغيب عني الجمال، ولهذا لم أتعلم فنون الأنوثة، لكن كان بي أمل في هذا الحفل أن تحدث المعجزة وأعيش قصة حالمة. مر الكثير والفتيان كل منهم يسعى خلف إحدى الجميلات، البعض يصل لمسعاه والبعض مازال يحاول وأنا كالعادة متفرجة. ملأتني الحسرة وقررت أن أغادر في صمت وإن كان في كل الأحوال لن يلاحظ أحد غيابي إذ كانوا لا يلاحظوا وجودي، وجدت أحد ينادي على إسمي فالتفت لأجد فتى وسيم يبتسم ويطلبني للرقص، دق قلبي بعنف وعقلي لا يصدق أن هذا يحدث، ربما كان لدي الأمل أن أحظى بتلك اللحظة لكن في أقصى توقعاتي كان الطلب سيأتي من فتى متوسط أو حتى يشاركني غياب الجمال، لكن هذا، يبدو أن السماء قررت تعويضي عن ما أعانيه. إرتبكت قليلاً، لكن لم يكن هناك مجال أن أضيع هذه الفرصة وبينما أمد يدي لتلتقطها يده ويأخذني لعالم الرومانسية إذا بفتى أخر أكبر سناً يقاطع تلك اللحظة ويكلم الفتى في نبرة حازمة قائلاً:

-عفواً، لكن هذا الذي تنتويه لن يحدث

كدت أن أصرخ به وهو يضيع تلك اللحظة لكنه إلتفت لي قائلاً:

-هذا الفتى لا يريد مراقصتك وغير مهتم، إذا تسمحي لي بتلك الرقصة سيكون هذا من دواعي سروري

كان ما يحدث بالنسبة لي شيء خيالي، أنا المنبوذة من عالم العلاقات لدي إثنان من الفتيان يطلبوني، كاد الفتى الوسيم أن ينفعل على الفتى الأكبر لكنه رماه بنظرة صارمة جعلته يصمت، وجدت نفسي ألتقط يد الفتى الأكبر دون تفكير وقد خدرتني ثقته وحزمه، ذهبنا لحلبة الرقص التقط يدي ووضع يده الأخرى حول خصري لتنتابني رجفة وقلبي على وشك القفز من موضعه، بدأ الرقص معي وإبتسامة هادئة تملأ وجهه، بعد نظرة مطوله لعيناي بدأ بالتحدث بهدوء قائلاً:

-هذا الفتى كان على وشك أن يسخر منك، لقد سمعته هو وأصدقائه وهم يتفقون على هذا، لهذا تدخلت ومنعتهم، لا تجعلي الأحلام تلعب بكِ، لن نستطيع أن نكون سوياً لأن قلبي تمتلكه أخرى، لكن رأيت أنك مثلنا كلنا، تستحقين رقصة، لحظة حالمة، تنسين بها قسوة الأخرين وتحتفظين بها كذكرى تشد من أزرك عندما تخور قواكِ، لا تنخدعي بتلك الفتيان، أنهم مجرد بريق يلمع في عيون القلوب الجائعة ليطعمها مرارة، سعيد بقبولك لتلك الرقصة وسيجدك الحب في وقته

أنهى الفتى الرقصة معي وقَبل يدي ثم غادر في هدوء.

=رائع! هل قابلتِ هذا الفتى مرة أخرى؟

تبسمت ساخرة وأنا أنظر لصديقتي البريئة وقلت:

-قابلته كثيراً في خيالي، مثلما إخترعته من خيالي

=ماذا تعني؟! كل هذا لم يحدث!

-بالطبع لا، هل تعتقدي أن الحياة أحد أفلام هوليوود، الذي حدث أني قبلت عرض الفتى الوسيم، بالفعل سخر مني هو وأصدقائه وأغلب من كانوا في الحفل، ظلت تلك القصة لفترة مادة للفكاهة، لتزيد من كراهيتي لنفسي وتجعل الجرح غائراً أكثر، ثم إبتعدت عنهم، ومع الوقت، كانت السخرية مني تزداد، وكلما مر الزمن كانت تصبح أكثر قسوة، عانيت كثيراً وقضيت معظم الليال أبكي حالي على الرغم من أني لم أتسبب في هذا، لقد ولدت هكذا دون رغبة مني، في أحد الأيام كنت أشتري قهوة وكانت تقف أمامي سيدة غاية في الجمال والأناقة، تطلعت لها طويلاً حتى لاحظت فارتبكت، إقتربت مني وسألتني بابتسامة هادئة عن سبب تطلعي لها، أخبرتها عن إعجابي بجمالها وكم أتمنى لو كنت أشبهها، قالت لي لو ركزتِ يا عزيزتي في تفاصيلي لن تجديني بهذا الجمال، في الحقيقة كل النساء جميلة، هناك من تعمل على إظهار والحفاظ على هذا الجمال وهناك من لا تفعل، هذا هو الفرق، مضيت بقية اليوم أفكر في كلامها، ربما يكون صحيحاً، إلى حد ما، لأن هناك أشياء مهما إعتنيت بها سيظل أصلها غالب، لكن لا ضير من المحاولة، بدأت أحاول الإهتمام أكثر بنفسي، لم يكن الأمر سهل، لقد قضيت وقت طويل في كراهية نفسي لذا أن أحبها مرة أخرى كان عمل شاق، تحسنت نفسيتي قليلاً لكن كل هذا لم يجعلني مرغوبة، الرجال كائن سطحي، جمال الشكل يجذبهم ويظلوا هناك لفترة طويلة، عندما تقدم العمر، استسلمت لفكرة الزيجة المرتبة، جاء هذا الشاب لمقابلتي، شاب بسيط المظهر، قليل الحديث، متواضع المستوى المادي، لكن لم أشعر بنفور منه، قبلت، وتمت الخطبة سريعاً ثم تزوجنا، لن أخبرك إنه الفارس الذي أنقذني وإنتشلني من بحار البؤس، لكن مع الوقت، ظهر قلبه الطيب، قلب من ذهب كما يقال، يعاملني دوماً باحترام، لا يعرف كيف يصنع مفاجأت ولا يعرف كيف يبتاع هدية مناسبة حتى الرومانسية لا يعرف عنها سوى ما يراه في الأفلام، لكنه رجل، يتحمل المسؤلية، على خلق عظيم، متواضع ومتسامح، بالوقت تولدت بيننا مودة، ثم تحولت لرابط قوي، ثم وجدت نفسي أحبه بكل ذرة في قلبي، لا أستطيع أن أتخيل الحياة بدونه، لم يحدث هذا في ليلة وضحاها، لا تكوني ساذجة يا عزيزتي، لقد تم بناء هذا بكثير من الوقت، بكثير من المعاناة، بحسرات وخيبات، لكنه أصبح في النهاية بنيان حب قوي لا مجال لهدمه، على ما يبدو أن الحياة عوضتني في نهاية الأمر.

ابتسمت صديقتي وعيناها تلمع بدموع التأثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق